لا تستعجلوا انهيار الاقتصاد الإيراني (عماد عبدالله عياصرة)

 

عماد عبدالله عياصرة *

 

لعل أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الإيرانية منذ احتجاجات عام 2009، أزمتها الاقتصادية التي تعصف بها هذه الفترة، ومما لا شك فيه أن الاقتصاد الإيراني يمر فعلاً بأزمة، فقد مر الريال الإيراني بسلسلة انخفاضات حادة بدأت منذ أيلول/سبتمبر 2010 حينما انخفض سعر الريال في السوق الحرة دون السعر الرسمي، ومنذ ذلك الوقت بدأ الريال الإيراني رحلة الانخفاضات المستمرة إلى أن انخفض الأسبوع الماضي إلى حوالي 36 الف ريال مقابل الدولار.
الغالبية العظمى من الكتّاب والمحللين يرون أن إيران في طريقها إلى الانهيار الاقتصادي وأنها لن تتحمل استمرار العقوبات أكثر، لكن لو تعمقنا قليلاً سيبدو الأمر مختلفاً نوعاً ما، ففي خلاصة لدراسة تفاصيل الوضع الاقتصادي الإيراني؛ أرى أن اقتصاد إيران قادر على التحمل للسنوات الثلاث أو الأربع القادمة، وربما أكثر قليلاً في حال بقيت العقوبات الاقتصادية على ما هي عليه. وقد حاولت الحكومة الإيرانية التعامل مع الأزمة بفرض سياسات اقتصادية متنوعة، يرى البعض أنها خاطئة ومتسرعة وآخرون يرون فيها حلاً لا مهرب منه. وبعيداً عن الخوض في صحة السياسات الاقتصادية من عدمها، فإني أرى أنها عملياً قد ضرّت كثيراً بالريال الإيراني لكنها لم تضر بالاقتصاد بنفس القدر؛ فإيران ما زالت حتى اللحظة تصدّر حوالي 1.3 مليون برميل نفط يومياً، وهذا بالطبع يدر دخلاً ضخماً وهو بالمناسبة مقوّم بالدولار فلا خطر من اسعار الصرف. كما أنه كلما انخفض الريال أمام الدولار تصبح التزامات الحكومة الإيرانية المقوّمة بالريال أكثر رخصاً مما يقلل من حجم مدفوعاتها، بالإضافة إلى أن التزامات إيران النقدية الخارجية محدودة. ومن المرجح أن يعمد البنك المركزي الإيراني إلى رفع أسعار الفائدة، ويقوم بطرح مبالغ ضخمة من الدولارات بسعر رسمي منخفض، من أجل استيراد السلع الأساسية، وبالطبع سيرتفع سعر الريال في السوق الحرة، حيث أتوقع أن يصل خلال شهر أو شهرين على أبعد تقدير إلى حدود 24 -26 ألفاَ مقابل الدولار، فيستعيد الريال جزءاً من عافيته.
مع وجود مثل هذه التداعيات، نرى أن الاقتصاد الإيراني لم يتأثر كثيراً بالعقوبات الخارجية المفروضة عليه، وأنه ما زال قادراً على الإستمرار والنمو، ومن المتوقع أن يحقق نمواً 0.4 بالمئة هذا العام وفق احصاءات صندوق النقد الدولي
وبالنظر إلى هذه الأزمة من الناحية السياسية، نجد أن أوباما سيفخر بأن العقوبات الاقتصادية على إيران تحقق النتائج المطلوبة، مما يكسبه زخماً في انتخاباته القادمة على اعتبار أن ادارته السلمية لملف دولي خطير كانت ناجحة. في حين أن نجاد سيلقي المسؤولية أيضاً على العقوبات الخارجية، ليخفف من حدة الاحتجاجات الداخلية التي تلقي باللوم على سياسات الحكومة فيما آل اليه الاقتصاد.
لقد باتت إيران تملك عدة أوراق للعب بها والفوز بطموحها النووي، ومع استبعاد الخيار العسكري فالكفّة الدبلوماسية ترجح لصالحها يوماً بعد يوم؛ فهي بالإضافة إلى امكانية استعمالها لما أسميته " دبلوماسية الخط الأحمر" في مقال سابق، ها هي ستستعمل ورقة "اقتصادها الضعيف المفترض" لكسب مزيد من الوقت أمام طموحها النووي. ربما أقل من عام؛ حينها ستتغير المعادلة لتفرض إيران بالقوة سياسات اقتصادية خارجية تريح اقتصادها الداخلي المترنّح.
يبدو أن واشنطن وحلفائها يراهنون على قوة الاحتجاجات الداخلية في تقويض الأوضاع الإيرانية، وربما يأملون إلى ما هو أبعد من ذلك وهو تغيير النظام الإيراني ككل نتيجة لظهور بعض الخلافات السياسية الداخلية، لكن هذا الأمر مستبعد جداً؛ فحجم التعبئة الدينية/النفسية في إيران ما زال ضخماً وما زالت كلمات المرشد الأعلى تلقى السمع والطاعة، كما أن الشعور القومي لدى الإيرانيين يتعاظم يوماً بعد يوم. كل هذه العوامل ستساعد في تجاوز الأزمة، بكل الأحوال إيران مرت بتجربة احتجاجات عنيفة عام 2009 وكانت أعنف بكثير من اليوم وأثبتت قدرتها على تجاوزها، وسرعان ما تنتهي الاحتجاجات إذا ما أمّن الإيرانيون على مدخراتهم من الريال واستعادت قيمتها السوقية امام الدولار.

 

*باحث ومحلل سياسي أردني

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى