لا تفتحوا أبواب الجحيم السوري

اللبنانيون أدرى من غيرهم بهدنات الحروب، وأكثر معرفة باتفاقيات وقف إطلاق النار. خضنا حرباً أهلية استطالت بالنار 15 عاماً شهدنا خلالها عشرات الهدنات ومحاولات التسوية وحتى الحسم العسكري النهائي خلال الاجتياح الإسرائيلي العام 1982، ولم نشهد نهاية للحرب المشؤومة، إلا بعد تبدل في السياسة الدولية انعكس اقليمياً باتفاق «الطائف» الذي رعت سوريا تنفيذه بالقوة. وإلى اليوم لا نزال نعيش في ظل اتفاق لم يصنع سلامًا كاملاً، بل حوّل الحرب الاهلية حروباً طائفية ومذهبية باردة.

التسوية الإقليمية آنذاك جاءت تحت عنوان: منع تغيير الخرائط الإقليمية التي خرق خطوطها احتلال صدام حسين للكويت. العنوان اليوم هو تغيير الخرائط الإقليمية وتقسيم المُقسم. وتحت هذا العنوان أيضاً تتفق الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية في تنسيق قلّ نظيره، على فرض هدنة مهما كان الثمن، ومهما تعدّدت الخروق، علماً أن العمليات العسكرية لم تتوقف.

الهدنة الأولى في مسار سنوات الحرب السورية الخمس مرشحة للانهيار في أي لحظة، في ظل وجود عشرات الفصائل المسلحة السهلة الاختراق. يستحق السوريون هدنة، بل سلاماً دائماً. إلا أن الوقائع لا تشي باقتراب تحقيق ذلك. لا يكفي أن تتفق واشنطن وموسكو على أمر ما كي يتحقق. وإذا كان ما يتسرّب من أخبار عن مخططات لتقسيم سوريا صحيحاً، فهذا يعني على أقل تقدير أن أبواب جهنم ستبقى مفتوحة لفترة طويلة، ما لم يتمدّد حريقها الى الجوار.

كثر الحديث الأميركي والروسي عن بدائل لوقف النار وعن خطة «ب»، واستخدمت كلمة تقسيم بصورة واضحة ومن دون مواربة. الروس حاولوا تلطيف المصطلح بالقول إن الدولة موحّدة ونظامها اتحادي. وقبل التنسيق الأميركي الروسي السياسي والعسكري، راج مصطلح «سوريا المفيدة»، القناع الآخر لكلمة تقسيم، ولم يجرؤ طرف من أطراف الحرب على تبنّيه علناً وصراحة. الكلام عن تقسيم سوريا يخرج مارداً شيطانياً من قمقم الاستقرار الدقيق في مستنقع شرق الأقليات العرقية والدينية. وسوريا هي المختبر، كامل المواصفات والمكوّنات عن الشرق الأكبر، وما يبدأ فيها سيمتدّ من المحيط إلى المحيط. وعلى أيّ دولة اتحادية أو تحت أي مسمّى آخر، ستتعمشق، عناوين المذاهب: سنّة وشيعة ودروز وعلويين وسريان وكاثوليك وأرثوذكس وغيرهم. وعناوين الأقليات: عرب وعجم وتركمان وكرد وأمازيغ وبربر وكلدان وأشوريين وغيرهم. اللائحة لا تنتهي والخرائط مرسومة. والتطهير كفيل بتنقية المناطق المتداخلة (بدلاً من كلمة المتعددة). العناوين تؤشر إلى نهاية كيوم القيامة.

تقسيم سوريا فكرة يسيل لها لعاب الكثير من اللاعبين الإقليميين. تخيّلوا سعادة إسرائيل عندما تلوح لها فرصة أخذ سوريا والمنطقة بالمفرّق. او تخيّلوا زهو آل سعود بتحقيقهم النصر الأول خارج جزيرة العرب، وانتقالهم إلى مرحلة الدولة التوسعيّة مع بداية عهد الملوك الأحفاد. ولكم في المقابل أن تتخيّلوا ايضاً الأتراك في مواجهة أخطر كوابيسهم: استقلال الأكراد. ومن خلفهم القيصر الروسي يراقب الدول السابحة في فلكه تسعى إلى الانفصال. وهل تحتمل إيران تعبئة مذهبية على حدودها؟ عناصر مكتملة وجاهزة لحرب الألف عام. الحرب لا تزال في بدايتها إذا كان التقسيم هو البديل عن الدولة السورية الواحدة المتعددة.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى