تحليلات سياسيةسلايد

لا تَغيّر استراتيجياً في الخارطة العسكرية: إسرائيل تتلمّس «فرصاً» بوجه إيران

لا تبدو الاعتداءات الإسرائيلية الأحدث على سوريا خارجةً عن سياق «المعركة بين الحروب» التي بدأتها تل أبيب قبل سنوات على هذه الساحة، لكنها، مع ذلك، تكتسب، بفعل اشتداد وتيرتها واتّساع نطاقها، أبعاداً إضافية، مرتبطةً بأسباب موضوعية، سياسية وعسكرية، تدفع إسرائيل نحو تكثيف «نشاطها» المُعادي. وإذا كان السعي لمنْع نقل وسائل قتالية أكثر تطوّراً إلى لبنان واحداً من الثوابت الحاكمة لهذا النشاط، فإن تطلّع الكيان العبري إلى استثمار «الانفتاح العربي» على سوريا في الدفْع نحو تبدّلات في الخارطة الميدانية، ورغبته في التأثير على المفاوضات النووية انطلاقاً من سوريا، يعدّان من أبرز العوامل المُفسّرة للتطوّرات الأخيرة

في الساعات الأولى من يوم الأربعاء الفائت، استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية موقعاً على طريق حمص – طرابلس، غربي مدينة حمص. كما استهدفت حاجزاً صغيراً لـ«الفرقة الرابعة» في الجيش السوري، في قرية المصريّة الواقعة جنوب غرب مدينة القصير في ريف حمص الغربي، والتي تَبعُد عن الحدود اللبنانية نحو كيلومتر واحد فقط، في ما يُعدّ واحدة من المرّات النادرة التي يتعرّض فيها العدو لمواقع قريبة إلى هذا الحدّ من الأراضي اللبنانية. في المقابل، حاولت الدفاعات الجوّية السورية التصدّي للصواريخ المعادية، وتمكّنت من إسقاط بعضها بالفعل، فيما لاحق صاروخ سوري مضادّ للطائرات طائرة حربية إسرائيلية إلى قبالة شواطئ حيفا المحتلّة حيث انفجر هناك. ويؤشّر قربُ موضع القصف من الحدود مع لبنان، إلى أن الهدف قد يكون شحنة ما في طريقها إلى الأراضي اللبنانية، ما يعني أن الاعتداء الجديد يأتي في سياق «منع نقل وسائل قتالية تمسّ بالتفوّق الإسرائيلي في المنطقة»، بحسب تعبير وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، لا في سياق «مواجهة التموضع الإيراني» في سوريا، مع أن الهدف الأخير يحافظ على موقعه على رأس اللائحة الإسرائيلية، وفق ما يؤكّد قادة الكيان باستمرار. والجدير ذكره، هنا، أن واقعة الأربعاء تُعدّ التاسعة خلال شهر واحد، والسادسة والعشرين في العام الجاري، الأمر الذي يدلّل على ارتفاع ملحوظ في وتيرة الهجمات.

الحسابات الإسرائيلية

قبل نحو أسبوعين، أعاد كبار قادة العدو تحديد الثوابت التي تَحكم «عمل» إسرائيل على الساحة السورية. إذ أكّد وزير الأمن، بني غانتس، خلال حفل تدشين مصنع «رفائيل» للصناعات العسكرية، أن تل أبيب «لن تسمح بالتسلّح بوسائل قتالية تمسّ بالتفوّق الإسرائيلي في المنطقة، من قِبل حزب الله ومبعوثين إيرانيّين إضافيّين في المنطقة»، فيما تناول رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، في جلسة مُغلقة للجنة الخارجية والأمن في «الكنيست»، «التموضع العسكري الإيراني في سوريا والمنطقة»، لافتاً إلى أن «أمام إسرائيل تحدّيات أمنية كثيرة في 6 ساحات مختلفة، يعمل الجيش الإسرائيلي مقابلها كلّها، سواءً بالدفاع أو الإحباط أو الهجوم». وعلى رغم أن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي السورية لا تعدُّ خروجاً عن نهج «المعركة بين الحروب» الذي بدأته تل أبيب منذ سنوات، إلّا أن ثمّة أسباباً موضوعية، عسكرية وسياسية، دفعت إلى تكثيف الضربات في الآونة الأخيرة، لعلّ أهمّها، بحسب تعليقات الخبراء العسكريّين والسياسيّين في الكيان، أن جيش العدو «يريد الاستفادة من السماء الصافية بشكلٍ غير عادي خلال موسمٍ تَكون فيه الغيوم كثيفة عادة»، أو بسبب «استهداف عاجل لمحاولات تهريب سلاح». كذلك، ربط بعض هؤلاء المعلّقين الارتفاع في وتيرة الاعتداءات، بـ«الزيادة في النشاط الإيراني في المنطقة» بشكل عام، وأيضاً بـ«توجيه رسائل إلى إيران حول برنامجها النووي»، بالإضافة إلى محاولة استغلال «الانفتاح العربي على سوريا». كما اتفق غالبيّتهم على أن اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، في سوتشي الشهر الماضي، منح تل أبيب «ضوءاً أخضر» لمتابعة تحرّكاتها في سوريا، وفق ما كان متّفقاً عليه أيام بنيامين نتنياهو، الأمر الذي دفع حكومة بينت إلى تكثيف العمليات وتوسيعها، حتى في نقاط قريبة من القواعد الروسية في المنطقة الساحلية.

وفي تفصيل تلك الخلفيّات، يبدو أن ثمّة اعتقاداً لدى العدو بأنه في ظلّ «الانفتاح العربي» على سوريا، فإن بالإمكان ممارسة مزيد من الضغوط على دمشق لدفعها نحو التفكير في «تحجيم النفوذ الإيراني»، وذلك على مسارَين أساسيَّين: الأول، عسكري – أمني، من خلال تكثيف عمليات الاستهداف الجوّي والضربات الأمنية؛ والثاني، سياسي، عبر تحميل زعماء الدول العربية العائدة إلى سوريا رسائل إلى القيادة هناك، تَطلب منها العمل على «نزع الذرائع الإسرائيلية» لخفض وتيرة الهجمات، بما يُتيح تحقيق «الاستقرار» المطلوب لجذب المشاريع الاستثمارية الخارجية. ويدرك الإسرائيليّون، بناءً على تجارب سابقة، أن أحداً غير قادر على تغيير قواعد اللعبة الميدانية في سوريا، لاسيما في ما يتعلّق بانتشار الحلفاء، سوى القيادة السورية نفسها. ولذا، فإن الأخيرة لطالما كانت عُرضة للضغوط لدفعها نحو إحداث تغييرات جذرية في خرائط الانتشار العسكري، بما يعالج «المخاوف» الإسرائيلية، من دون تحقيق أيّ نتائج تُذكر. لكن ما تَغيّر اليوم، من وجهة النظر الإسرائيلية، هو أن الحاجة السورية إلى الحضور العسكري الإيراني تضاءلت إلى حدّ بعيد بسبب انحسار المعارك الكبرى، التي كان آخرها أوائل العام الفائت في ريفَي حلب وإدلب، وهذا ما يمكن أن يجعل دمشق أكثر مرونة في الطلب من حلفائها الانسحاب من بعض المناطق، لتبريد الأجواء وإرساء نوع من الاستقرار المطلوب دولياً وعربياً.

كذلك، ثمّة بُعدٌ غير ظاهر، يلعب دوراً أساسياً في تكثيف الهجمات الإسرائيلية على سوريا، والمقصود به سعي العدو إلى ممارسة ضغوط على إيران في سياق ملفّها النووي، انطلاقاً من هذه الساحة. إذ إنه في ظلّ عجزها عن شنّ عمليات هجومية صاخبة ضدّ أهداف داخل إيران، وفشلها في دفع الأميركيّين نحو إقرار خطط عسكرية لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، تعتقد إسرائيل أنه بالإمكان التعويض عن ما تَقدّم في الساحة السورية، التي تتمتّع فيها حتى اللحظة بتفوّق عمليّاتي بسبب عوامل عدّة، أهمّها عدم اتّخاذ محور المقاومة – بعد – قراراً بالردّ على كلّ الاعتداءات، بالإضافة إلى السماح الأميركي والروسي على السواء، للإسرائيليّين، بالعمل بحرّية ضد «الأهداف الإيرانية» في سوريا. ومن هنا، تأمل تل أبيب أن يغطّي «استعراض القوّة» في الميدان السوري، على عجزها الفاضح عن «تفعيل القوّة» باتجاه رأس الخطر، لا أطرافه. وفي هذا السياق، ترجّح مراسلة الشؤون العسكرية في صحيفة «إسرائيل هيوم» العبرية، ليلاخ شوفال، في مقالة بعنوان: «إيران تُظهر المُناورة و المُراوغة» في الصحيفة نفسها، وجود علاقة ما «بين زيادة عدد الهجمات الإسرائيلية في سوريا، وبين الإحباط لدى إسرائيل من تقدُّم إيران في برنامجها النووي، مع اقتراب الوقت في ما يتعلّق بالعودة إلى الاتفاق».

إجراءات تكتيكية

تتحدّث شوفال، في المقالة نفسها، عن أن «الإيرانيين يعيدون التفكير في أفعالهم في سوريا، ويقومون بمجموعة متنوّعة من الإجراءات التكتيكية ليجعلوا من الصعب على إسرائيل مهاجمتهم». وفي هذا الإطار، يدور الحديث، خصوصاً، عن إخلاء «قوّات إيرانية وأخرى تابعة لها» مطار «T4» العسكري في ريف حمص، وتسليمه بالكامل للقوّات الروسية، الأمر الذي تنفيه مصادر عسكرية رفيعة في الجيش السوري، مؤكّدة في حديثها إلى «الأخبار» أن «أيّ تغيير كبير لم يطرأ على خريطة انتشار الحلفاء في المنطقة الوسطى في البلاد». وتوضح المصادر أن «أيّ تحرّكات عسكرية من هذا القبيل – إن حدثت – تكون في سياق استجابة طبيعية للتهديدات المختلفة، سواءً من العدو الإسرائيلي، أو من ناحية القوّات الأميركية في قاعدة التنف القريبة، أو من بقايا مسلّحي داعش المنتشرين في البادية الشرقية»، جازمة أن «لا انسحابات كاملة من أيّ منطقة عسكرية، بل فقط تحرّكات تكتيكية محدودة، تحدُث دائماً». وليست هذه المرّة الأولى التي تتداول فيها وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية والعربية أنباء من هذا النوع؛ إذ لطالما كرّرت خلال السنوات الماضية الحديث عن انسحاب حلفاء الجيش السوري من عدّة مناطق، ليتبيّن بعدها خطأها. وكنموذج من ذلك، فقد كثر الكلام في صيف عام 2018، عقب «التسوية» التي أُرسيت في الجنوب، عن انسحاب الحلفاء من المنطقة؛ واليوم، بعد مرور ثلاثة أعوام، تضجّ وسائل الإعلام المختلفة بما يُسمّى «التموضع الإيراني على الحدود مع الجولان»، فيما يجري استهداف المنطقة إسرائيلياً بشكل مستمرّ، بزعم استهداف «نشطاء تابعين لإيران وحزب الله

 

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى