بين قوسين

لا تُعمِّم، فالوطن يسع الجميع !!

جولي الياس خوري

في خضمّ الأزمات التي عصفت ببلادنا، وفي ظلّ الألم العميق الذي أنهك شعبنا، ظهرت على السطح أصواتٌ تحاول أن تصبّ الزيت على النار، وتُعيد إنتاج خطاب الكراهية، متجاهلةً أن ما نعيشه اليوم هو في حقيقته ثمرة مريرة لسياسات التفرقة والتمييز التي زُرعت في العقول على مدى أكثر من نصف قرن.

لقد عمد النظام البائد، عبر أدواته الأمنية والإعلامية، إلى بثّ الشك بين أبناء الوطن الواحد، فرّقهم على أساس الدين والطائفة والعرق، وزرع في وجدانهم صورًا نمطية ظالمة، فجعل من المسيحي “جبانًا”، ومن السني “إرهابيًا”، ومن العلوي “شبيحًا”، ومن الكردي “انفصاليًا”، ومن الدرزي “خائنًا”، متجاهلًا أن في كل مكوّن من مكوّنات المجتمع السوري من ضحّى، ومن أحبّ، ومن بكى، ومن حلم بسوريا حرة وعادلة وآمنة.

من يكرّر هذه الأفكار اليوم، ولو بحسن نية، فإنه يُعيد ترديد ما أراده الطغاة، ويُسهم دون أن يدري في تقويض حلم السوريين بوطن يجمعهم، لا يُقصي أحدًا، ولا يُحمّل جماعةً بأكملها خطأ أفراد منها. فليس من العدل، ولا من الوطنية، أن تُحاسَب الطوائف أو القوميات على أفعال قلة مارقة.

العدالة لا تكون بالتعميم، والإصلاح لا يُبنى على خطاب الكراهية، ومن يريد الخير للوطن عليه أن يكون جسراً لا جداراً، بل أن يختار كلماته بعناية، لأن الجراح لم تلتئم بعد، والقلوب لا تزال تنزف. نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى أصوات عاقلة، تُقرّ بالوجع، تُطالب بالمحاسبة العادلة، وتدعو في الوقت ذاته إلى الوحدة، إلى البناء، إلى التصالح مع الذات ومع الآخر.

كفّوا عن التحريض، وادعموا العيش المشترك، كونوا من صنّاع الأمل لا من تجّار الحقد، فمن أراد الإصلاح فليكن صادق النية، نظيف اللسان، محبًا للناس جميعًا دون تمييز.

كفى شرذمةً، كفى تشويهاً، كفى عبثاً بوحدة شعبٍ ما زال يحلم بالحياة رغم الموت، وبالسلام رغم كل الضجيج.

ولا تزر وازرةٌ وزرَ أخرى.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى