“لا فضل لأعجمي على عربي”.. هل يُوقف تسخير أردوغان مساجد تركيا وخطبة الجمعة نهج “العنصريّة والعرقيّة” ضد العرب …
خالد الجيوسي
حينما تتزايد التقارير عن خسارة تركيا لمليار دولار نتيجة تراجع السيّاح العرب عن اختيارها كوجهة سياحيّة، وإبلاغ شركة سياحة كُبرى عن إلغائهم حُجوزات قُرابة 60 بالمئة، فهذا يعني أن التقارير المُتناسلة عن حالات العنصريّة ضد العرب السيّاح، واللاجئين منهم، انعسكت سلباً على السياحة التركيّة، ووجب إيجاد حُلول رادعة لها، وإلا فالاقتصاد التركي الذي يُعاني من التضخّم 38 بالمئة، وتراجع الليرة التركيّة 20 بالمئة أمام الدولار سيفقد أحد أساساته التي يعتمد عليها.
صحيفة “تركيا” أكّدت هذا الحال العنصري، وقالت بأن العنصريّة المُتفاقمة ضد العرب تُكبّد البلاد خسائر بنحو مليار دولار خلال الشهرين الأخيرين، وأشارت الصحيفة إلى أن التحريض العنصري المُفتعل من قِبَل بعض الأشخاص والأحزاب ضد العرب، تسبّب في ضربة موجعة للاقتصاد خلال آخر شهرين، مُؤكّدة أن الإجراءات الرسميّة التي اتّخذتها السلطات ضد الهجرة غير النظاميّة، أثرت أيضاً على الحركة الاقتصاديّة بشكل سلبي.
خرج وزير الداخليّة التركي علي يرلي كايا في البداية، وتحدّث عن خطوات وحملات بلاده ضدّ “الأجانب”، واختار بشَكلٍ مدروس قناة “الجزيرة” القطريّة كون القناة مُتابعة خليجيّاً، وسيّاح تركيا من الخليج، ليُوجّه رسائله للعرب، حين قال إن حُكومة بلاده لا يُمكن أن تسمح بانتشار العنصريّة وكراهيّة الأجانب في المُجتمع.
وحصر الوزير التركي “العُنصريّة المُتناسلة” في بلاده وثّقت عبر مقاطع فيديو ضمن حوادث عديدة ضد العرب، ببعض الأشخاص الهامشيين ممّن أصحاب الأفكار الهامشيّة ممّن يُعلنون عداوتهم للأجانب، قائلاً هذه مشكلة. من غير المُمكن أن نجعل الجميع يفكرون بالطريقة المُثلى والجميلة.
ولم يُنكر الوزير كايا حملات الترحيل ضدّ اللاجئين، الوزير كايا إن حُكومة بلاده تُطبّق ما تقتضيه القوانين، من أجل أمننا ومنها تدابير إرجاع اللاجئين غير النظاميين لبلدانهم.
ولم يتحدّث الوزير كايا عن تشريع قوانين جديدة صارمة لمنع العنصريّة ضد العرب، واكتفى بالقول بأن المدّعين العامّين يُتابعون الخطاب العنصري في إطار القانون، وقال إنه لا مكان للعنصريّة والكراهية في تاريخ وثقافة ومُعتقدات الأتراك.
لم يكن رد الوزير التركي فيما يبدو كافياً ومُقنعاً في تفنيد أو تكذيب الحملات المُتناسلة ضد العرب (وصلت لترحيل سائح مغربي، وأخرى جزائريّة) إلى الشمال السوري “قسْرًا” من قبل السلطات التركيّة لاعتقاد تلك السلطات بأنهم سوريين، فلجأت السلطات التركيّة بعد حديث الوزير كايا أو الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) لاستغلال منابر المساجد، وهذه المرّة الرسائل مُوجّهة للأتراك أنفسهم، لثنيهم عن المُمارسات العنصريّة ضد العرب.
وخصّصت رئاسة الشؤون الدينيّة ورئيسها علي أرباش المُقرّب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خطبة الجمعة اليوم ضد العنصريّة والعرقيّة، وتطرّقت في جميع مساجد تركيا بشكلٍ لافت كما نقلت منصّة (TR99) عن صحيفة “الخبر” إلى كون لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي، إنما المُؤمنون أخوة، فهم لا ينسون مبدأ فرديّة الجريمة، ولا يُعمّمون الجريمة، على عرق، أو دين، أو طائفة.
توقيت موضوع الخطبة المُعمّم على مساجد تركيا، يُوحي بأن ثمّة رغبة رسميّة تركيّة، ومن الرئيس أردوغان، لوقف العنصريّة ضد العرب، واللاجئين، ولكن التساؤلات عديدة في ذلك السياق، فهل الخطابات الدينيّة لا يزال لها تأثير لثني “العنصريين الأتراك” عن عُنصريّتهم، وهل تكون عبارة “إنما المُؤمنون إخوة” بديلاً عن القوانين الرادعة الصارمة، الكاتب الصحفي التركي إسماعيل ياشا، اعتبر من جهته أن خطبة الجمعة عن خطر العنصريّة وموقف الإسلام منها كانت بالاتجاه الصحيح، لكن الكاتب ياشا لفت إلى أن مُعظم العنصريين لا علاقة لهم بالمسجد، والخطبة، بل بعضهم يُعادون الإسلام تحت قناع العنصريّة، وبالتالي برأي الكاتب بأن الخطوة الضروريّة هي تطبيق عقوبات رادعة على جرائم العنصريّة، مع استمرار حملات التوعية.
السؤال التالي، هل يذهب الرئيس أردوغان، إلى الاستماع لمُطالبات تطبيق عقوبات رادعة على جرائم العنصريّة ضد العرب، وهي دعوات داخليّة، تأتي بعد مُلاحظات نقديّة طالته من شخصيّات إخوانيّة عربيّة مثل المذيع أحمد منصور في قناة الجزيرة، والنائب الكويتي السابق وليد الطبطائي وغيرهم، الذين طالبوا أردوغان بالتدخّل، قبل فقدانه سمعته في الشرق الأوسط.
ومع تزايد الحملات العنصريّة ضد العرب، سيّاحاً، ولاجئين، قد تخدم الرسائل الدينيّة في فرملة العنصريّة التركيّة التي تبدو ممنهجة ضدهم، ولكن تصدير الدين في خدمة أجندات الحزب الحاكم، قد لا تقتصر أسبابه على منع العنصريّة، بل يمتد لنهج بدأت تتبعه الدولة التركيّة، لحساب تكريس الهويّة الإسلاميّة على حساب علمانيّة البلاد، فالسلطات التربويّة مثلاً زادت ساعات الدروس الدينيّة في الثانويات العامّة من 8 ساعات، إلى 16 ساعة، وإضافة دروس دينيّة بعضها إجباريّة، مثل القرآن الكريم، السيرة النبويّة، العلوم الدينيّة الأساسيّة، النصوص الأخلاقيّة الكلاسيكيّة، وهذه كله إضافات يقول العلمانيون إنها إضافات تُثير أو تُعيد انبهار الإسلاميين بسُلطانهم أردوغان، ومنهم تحديدًا في الشرق الأوسط.
ووفقاً لتقارير محليّة، فإن السيّاح العرب والخليجيون منهم تحديدًا، يُنفقون مبالغ ماليّة كبيرة، تصل إلى 4 آلاف دولار لكل سائح خلال زيارتهم إلى تركيا، بينما يُنفق السّياح الآخرون حوالي 800 دولار فقط، هذا سبب آخر يدفع أردوغان لاستخدام ورقة منابر الجمعة الدينيّة للمُنبهرين بخطابه الديني السياسي، ولكن الأخير يُذكّر أنصاره، بأنه لم يكن عنصريّاً، وتقوم سياساته على مبدأ “المُهاجرين والأنصار”، والأنصار هم الأتراك الذين يُفترض أنهم نصروا السوريين “اللاجئين”، بل إن الرئيس التركي يحرص على التحدّث باللغة العربيّة، ويرفض الدعوات لعودة رفع الأذان باللغة التركيّة.
وفي إطار آخر أقدم عليه الحزب الحاكم ليظهر بمظهر الرافض للحملات المُمنهجة ضد العرب لاجئين، وسيّاح، حيث جرى إدخال خمس لغات أجنبيّة، منهم بشكل لافت اللغة العربيّة، ووسط انتقادات المُعارضة التركيّة للقرار أوضح وزير الصحّة التركي فخر الدين قوجة بأن هذا القرار تم اتخاذه استنادًا إلى مُتطلّبات ضروريّة لتحسين خدمات الرعاية الصحيّة في بلادنا، وأكّد قوجة بأنه تمّت إضافة اللغات الإنجليزيّة والألمانيّة والعربيّة والفرنسيّة والروسيّة إلى النظام بهدف تقديم الرعاية الصحيّة المُثلى للمرضى الأجانب والسيّاح الزائرين لبلادنا، والعرب هُم أهم السيّاح الزائرين لتركيا بطبيعة الحال.
من غير المعلوم تماماً إذا كانت توجّهات أردوغان الدينيّة الجديدة هذه ستُوقف ما يتعرّض له العرب على اختلاف صِفات تواجدهم في تركيا، وانعكاس ذلك على سن القوانين والتشريعات العقابيّة الرادعة، ولكن حتى فجر اليوم الجمعة، نقلت الصحف التركيّة حادثة عنصريّة تعرّض لها شاب سوري يُدعى محمود الضاهي في ولاية أضنة التركيّة حيث انتهت بإطلاق النار من قبل جاره التركي مما تسبّب في مقتله، ووفقًا للمعلومات الواردة، فإن الحادثة وقعت بسبب منع محمود لجاره التركي من اقتحام منزله ودخوله بالقوّة، حيث كان يخطط الأخير الصعود إلى السطح للتسلّل إلى منزل جاره الثاني، وفي رد فعل غاضب، قام الجار التركي بإطلاق رصاصة على رأس محمود ممّا أدّى إلى وفاته في الحال!
صحيفة رأي اليوم الألكترونية