افتتاحية الموقع

‏(لحظه اوبنهايمر) من النووي إلى الذكاء الاصطناعي !!

د . فؤاد شربجي

مع إطلاق فيلم ( أوبنهايمر ) في الأسبوع الماضي والذي تتبع عملية إنجاز القنبلة الذرية في العام 1945 و استخدامها من قبل الولايات المتحدة ضد اليابان بإلقاء قنبلتين ذريتين على هيروشيما و نا كازاكي . . و رأى  المحذرون من خطورة انفلات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. أن استخدام هذه التكنولوجيا في المجال العسكري يدخل الإنسانية إلى ما سمي بـ ( لحظة اوبنهايمر) التي هددت الحياة البشرية بالفناء،  فما هي (لحظة اوبنهايمر) ؟؟ وكيف ولماذا يمكن أن تنطبق على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي خاصة في المجال العسكري ؟؟؟

‏طور الفيزيائي الأميركي جيه روبرت اوبنهايمر فكرة العالم  زيلارد عن التفاعل المتسلسل الذي ينتج عن انشطار نواة ذرة اليورانيوم ويولد تسلسلا  في الإنفجارات او انفجارات متسلسلة تطلق طاقة هائلة  ويمكن أن تستخدم كسلاح . طوراوبنهايمر هذه الفكرة في المعسكر الذي أقامه في (لوس الاموس) في نيومكسيكو مع فريق من العلماء، وصنعوا قنبلة ذرية بناءا على هذا وجربوها ، وأثناء العمل و التحضير لتجربة القنبلة اعترض فيزيائي شهير هو إدوارد تيلر بأن التفاعل المتسلسل إذا تفلت واستمر قد يصل بناره إلى الغلاف الجوي ويحرقه، وهذا ما يؤدي إلى فناء الحياة البشرية كلها على الأرض. هذا التخوف الذي طرحه تيلر أربك  أوبنهاير وأوقعه في (اللا يقين ) وهذه الحالة سميت ( لحظه أوبنهاير ) التي تعني خوفه من الاستمرار بإنجاز القنبلة الذرية لشعوره بمدى خطورتها على الحياة البشرية. وعندما تشاور اوبنهايمر مع العالم الشهير اينشتاين رفض الأخير القيام باي اسهام في إنجاز القنبلة الذرية حتى لو كان مجرد حساب احتمال إحتراق الغلاف الجوي. ورأى أن تيلر هو الأقدر على هذا الحساب. ولكن اينشتاين أوضح  لاوبنهايمر ضرورة وقف ما يقوم به و وقف إنجاز القنبلة، وإعلام خصوم أمريكا بهذه الخطورة كي لا يقع أي طرف في العالم بالتسبب في إفناء البشرية بإعتماد هذا التفاعل المتسلسل الذي يحتمل أن ينفلت. وبعد التدقيق وجد تيلر أن احتمال الخطورة من وصول التفاعل المتسلسل إلى الغلاف الجوي قريب من الصفر، وقررت الولايات المتحدة الأمريكية إكمال القنبلة بوجود خطر قريب من الصفر. و مهما كان الإحتمال طفيفا فإنه يشكل خطورة .هذه هي   (لحظة أوبنهايمر)..

‏ ‏المتابعون لتطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يجدون ان وصول هذه التكنولوجيا إلى مرحلة (الشفرة المفتوحة )التي تمكنها من التزود تلقائيا بالمعلومات، كما تمكنها من إمكانية التطور ذاتيا بمعزل عن التدخل الإنساني، أي يمكن للذكاء التكنولوجي اتخاذ قراراته وحده دون الإنسان، يضعه في موضع مماثل لانفلات التفاعل المتسلسل في الانشطار النووي ويمثل تأثيره تأثير احراق الغلاف الجوي وستكون النتيجة كارثية ولو كانت اقل من افناء البشرية، خاصة وأن هناك توجهاً إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات العسكرية كما استخدمت الفيزياء النووية في إنتاج السلاح النووي. وهذا التخوف من تمكن الذكاء الاصطناعي من التصرف ذاتيا وبدون الإنسان هو ما يضع العالم أمام ( لحظه اوبنهايمر) من جديد وربما هذا ما دعا الأمين العام للامم المتحدة غوتيريش أن يعلن خطورة الذكاء الاصطناعي على مستقبل البشرية…

‏إذا كانت الإدارة الأمريكية رغم أن الحسابات قالت لها ان احتمالات إصابة وحرق الغلاف الجوي تقترب من الصفر (تقترب وليست صفرا)، إذا كانت هذه الادارة رغم ذلك قامت بتجربة التفاعل وإنجاز القنبلة ونحن لا نعرف كيف نجت البشرية من خطورة ( لحظه أوبنهايمر)، إذا كان هذا ما حدث مع السلاح النووي، فماذا سيحدث مع انفلات الذكاء الاصطناعي خاصة في المجال العسكري؟؟ إنها بالفعل (لحظه أوبنهايمر ) الأخطر والأكثر تعقيدا مما جرى في (لوس الاموس) وهذا ما يفرض على العالم كله أن يشرع ويلتزم بضبط تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لكي نضمن أن تكون خطورة هذه التكنولوجيا صفر أكيد . وليست قريبة من الصفر فقط ..

‏بقى أن نشير إلى أن الدراما المرئية سينمائية كانت او تلفزيونية عندما تكون إبداعية بحق كفيلم ( أوبنهايمر ) يمكن أن تثير نقاشات عميقة تتناول مستقبل الإنسانية ، وتضيئ تواريخ قضايا ما زالت تتحكم بحياتنا كالنووي.، كما فعل هذا الفيلم المعتمد على كتاب(بروميثيوس الأمريكي)، وإذا كان العرب بعيدين عن الريادة بإبتكارات التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي فإن بإمكانهم الإسهام في إنتاج دراما إبداعية مؤثرة وجذابه وملهمة كفلم ( أوبنهايمر)، و هذا أضعف الإقدام !!!

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى