“لعنة” ليبيا والقذافي تطارد ساركوزي مثلما طاردت هيلاري كلينتون وكاميرون
نعترف بأن نيكولاي ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق على درجة كبيرة من الدهاء، مكنته من خداع الكثيرين، والحصول على “رشوة” من العقيد الليبي معمر القذافي تقدر بحوالي خمسين مليون يورو، لتمويل حملته الانتخابية الرئاسية التي فاز فيها على كل خصومه، و أوصلته إلى قصر الاليزيه عام 2007، ولكن عمر هذا “الدهاء” كان قصيرا، وبات يعطي نتائج كارثية على صاحبه.
الرئيس ساركوزي قد يكون نجح في التخلص من الزعيم الليبي من خلال “فبركة” ثورة شعبية (هذا التوصيف استخدمه برلسكوني، رئيس وزراء إيطاليا الأسبق) في بنغازي، بمساعدة صديقه “الفيلسوف” برنارد هنري ليفي، وتوظيف العديد من الشخصيات الليبية، إلى جانب جامعة الدول العربية، و أمينها العام عمر موسى في حينها، وبعض الدول العربية، وقد يكون تلذذ بإعدامه بطريقة بشعة والاعتداء جنسيا على جثمانه، ولكنه لم ينجح في أن يدفن معه “السر” الذي حاول إخفاؤه عن الفرنسيين، ونحن نتحدث هنا عن الرشوة المالية الانتخابية.
طرف الخيط، بل ربما الخيط كله، جاء اليوم الثلاثاء عندما اعترف رجل الأعمال اللبناني الفرنسي زياد تقي الدين انه قام بثلاث رحلات من طرابلس إلى باريس في أواخر عام 2006، ومطلع عام 2007، نقل خلالها في كل مرة حقيبة تحتوي على ما بين 1.5 إلى مليوني يورو، بأوراق نقدية من فئة 200 و500 يورو، وقال في مقابلة مصورة عبر الفيديو أن السيد عبد الله السنوسي (معتقل حاليا)، رئيس استخبارات الزعيم الليبي كان يسلمه تلك المبالغ.
الشريط بثته بالصوت والصورة صحيفة “ميديا بار” الفرنسية الالكترونية على موقعها، وظهر السيد تقي الدين على شاشتها مؤكدا انه سلم إلى كودجيان مدير ديوان ساركوزي عندما كان الأخير وزيرا للداخلية، حقيبتين بأموال القذافي لتمويل الحملة الانتخابية الرئاسية تقدر مجموع مبالغها خمسة ملايين يورو، مثلما أكد انه سلم شخصيا حقيبة ثالثه إلى ساركوزي نفسه في منزله، وأكد السيد تقي الدين استعداده لكشف كل الحقائق أمام القضاء الفرنسي.
خطورة هذه الاعترافات، ومن رجل أعمال لبناني فرنسي ساهم في ترتيب زيارات لساركوزي إلى ليبيا الذي حل ضيفا على “خيمة” القذافي، أنها تأتي في وقت ينافس فيه ساركوزي على زعامة اليمين الفرنسي المعتدل على أمل استعادة الرئاسة مرة ثانية.
ساركوزي وبالتآمر مع ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا السابق كانا خلف استصدار قرارين بالتدخل العسكري في ليبيا: الأول عن مجلس الأمن الدولي، والثاني من قبل حلف الناتو، وكشفت الوثائق أن الرئيس الفرنسي أرسل طائراته لقصف ليبيا قبل صدور قرار مجلس الأمن، وجند حملة إعلامية غربية وعربية جبارة لتزوير الحقائق على الأرض الليبية، وافتعال مسألة إعداد القذافي لمجازر في بنغازي، وهي تهمة ما زالت تحتاج إلى إثبات علمي وعملي.
لا بد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان يعرف الكثير من الأسرار والحقائق عن أعمال الفبركة والتزوير لتبرير العدوان على ليبيا، ولهذا لم يتردد، مع اقتراب نهاية ولايته، على القول بأن أكثر ما يندم عليه في دورتي رئاسته هو الموافقة على غزو ليبيا وقصفها، لان هذا القصف كان خطيئة، وحمل ساركوزي وكاميرون المسؤولية الأكبر.
الشعب الليبي، ومعه شعوب عربية أخرى كان ضحية “مؤامرة”، كلفت الأمة أكثر من 500 مليار دولار، حسب احدث الدراسات، وهو رقم سيتضاعف عدة مرات في ظل ما يجري حاليا من حروب في سورية واليمن والعراق، هذا إلى جانب مئات الآلاف من القتلى، وملايين الجرحى والمهجرين.
لعنة شهداء ليبيا تطارد ساركوزي، مثلما طاردت كاميرون الذي خرج من الحكم بطريقة مهينة، والسيدة هيلاري كلينتون التي تعرضت لهزيمة مخجلة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لمصلحة خصمها دونالد ترامب، فهذه الوجوه الثلاثة البشعة، وأياديها الملطخة بالدماء الليبية لا يجب أن تنجوا من العقاب.
فرنسا ستحاكم ساركوزي حتما، وقضاؤها سيضعه في قفص الاتهام، وشعبها سيمنعه من الوصول إلى قصر الاليزيه مرة أخرى، حتى لو طال أمد الإجراءات القانونية، ولكن العرب الذين تورطوا في مؤامرته لتدمير ليبيا وقتل الآلاف من أبنائها، وتحويلها إلى دولة فاشلة تسودها الفوضى الدموية، لا يتحدث احد عن محاسبتهم، ونقولها بكل الم، وعزاؤنا أننا كنا ضد هذا الغزو العسكري منذ اليوم الأول، ولم ننخدع مطلقا بحملات التضليل الإعلامية قبل السياسية، ورفضنا أن نغرد في سربها، وطالنا الكثير بسبب ذلك، ولكن من يركب البحر لا يخشى من البلل
عبد الباري عطوان