لقاء بوتين- إردوغان: لكلٍّ حساباته وإدلب في مهبّ الريح

 

قيل وقلت الكثير عن تذبذبات الموقف الروسيّ في سوريا. ويبدو أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ساهم كثيراً في ترسيخ هذا الوضع، بعد أن سمح مؤخراً للطّائرات التركية بدخول الأجواء السورية، وكان عليه قبل ذلك أن يمنع حوالى 3 آلاف دبابة ومدرّعة ومدفع وعربة عسكرية تركية من الدخول إلى الأراضي السورية، وهو يدرك أنَّ إخراجها لن يكون سهلاً بعد الآن.

وكذلك الحال عندما سمح للقوات التركية بدخول جرابلس والباب وأعزاز في آب/أغسطس 2016، وعفرين في كانون الثاني/يناير 2018، وتل أبيض في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث يسيطر الجيش التركي على حوالى 500 كم من الشريط الحدودي السوري مع تركيا، ومعه حوالى 50 ألفاً من مسلّحي الفصائل المسلَّحة كافة، والآن 50 ألفاً من مسلحي “جبهة النصرة” وحليفاتها في إدلب.

لقد جاءت التطورات الأخيرة لتثير العديد من التساؤلات حول ماهية الحسابات الروسية مع تركيا، بعد أن وافق بوتين على لقاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في موسكو في 5 آذار/مارس، ليضع النقاط على الحروف في ما يتعلَّق بقواعد المرحلة القادمة، بعد أن بات واضحاً أن إردوغان مصمّم على حسم قضية إدلب لصالحه وصالح حلفائه في المنطقة.

وقد اعتبر محلّل الشّؤون الدوليّة في صحيفة “جمهوريات”، محمد علي جوللار، مدينة حلب المشروع الأكبر بالنسبة إلى إردوغان، الذي يتحدَّث إعلامه وحليفه زعيم حزب الحركة القومية، دولت باخشالي، عن ضرورة الزحف نحو دمشق وإسقاط الرئيس بشار الأسد، وهو الهدف الذي أشار إليه إردوغان خلال حديثه الهاتفي مع بوتين، إذ قال له: “إذا كنت تفكّر في قواعدك في سوريا، فلتبقَ لك. نحن يهمنا إسقاط النظام”.

لا شكّ في أن ردّ بوتين على كلام إردوغان غير معلوم، ولكنَّ فتح المجال الجوي السوري أمام الطائرات التركية، وربما من دون إبلاغ دمشق، جاء رضوخاً لتهديدات إردوغان التي لا يدرك أحد مضامينها، ولكننا نستطيع أن نحدّد بعضها، فالجميع يعرفون أنَّ الرئيس بوتين لا يريد الحرب مع دولة جارة ومهمَّة مثل تركيا، ولكن يقول الكثيرون إنه ما كان ليحقق أهدافه الإقليمية والدولية لولا تواجده في سوريا، وأهمها مصالحه الاستراتيجية في العلاقة مع تركيا.

ومن دون الفصل بينها، سأحاول هنا الإشارة إلى أهم النقاط التي سيضعها بوتين وإردوغان بعين الاعتبار خلال لقائهما القادم. وأتوقَّع أن يقرر هذا اللقاء مصير إدلب، وسوريا عموماً، لأن هذه المدينة بوابة إردوغان نحو دمشق.

  • يعيش في روسيا حوالى 25 مليون مسلم، معظمهم من أصول تركية، وهو حال الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز.
  • وصل حجم التبادل التجاري بين الدولتين إلى 35 مليار دولار.
  • يزور تركيا سنوياً حوالى 7 ملايين روسي.
  • نفَّذت الشركات التركية في روسيا، وما زالت، ما قيمته حتى الآن 70 مليار دولار من المشاريع.
  • تتبنى روسيا في جنوب تركيا مفاعلاً نووياً بقيمة 25 مليار دولار.
  • تعد تركيا شريكاً مهمّاً في جميع مشاريع الغاز الروسية إلى أوروبا، وهي تستورد 60% من استهلاكها للغاز من روسيا.
  • تسيطر تركيا على مضيقي البوسفور والدردنيل. ومن دونهما، لا تستطيع أيّ سفينة روسية الوصول إلى القاعدة الروسية في طرطوس.
  • بإغلاق المجال الجوّي التركي، لا تستطيع الطائرات الروسية الوصول إلى قاعدة حميميم إلا عبر إيران والعراق، وهو مسار طويل وخطير بسبب القواعد الأميركية في العراق، وفيه الكثير من أعداء روسيا.
  • خلافاً لاتفاقية “مونترو” الخاصّة بالمضائق، وفي حالة التوتر أو الحرب، ستسمح تركيا بمرور السفن الحربية الأميركية إلى البحر الأسود، وتنشأ قواعد بحرية في رومانيا وبلغاريا وأوكرانيا، ولاحقاً جورجيا، وهو ما سيعني نهاية روسيا في البحر الأسود.
  • يبلغ عدد الروسيات والروس المتزوجين من أتراك نحو 121 ألفاً.
  • هناك علاقات ومصالح متشابكة ومتينة بين رجال الأعمال الروس والأتراك.
  • في حال حدوث أي مواجهات ساخنة بين تركيا وروسيا في سوريا، ستكون أنقرة الأكثر حظاً بسبب قرب المسافة مع سوريا، وتواجدها الفعلي على الأرض مع حوالى 100 ألف مسلَّح معادين لروسيا على طول الحدود السورية مع تركيا، ولن يخرجوا منها.
  • صفقة “أس – 400” واحتمالات المزيد من مجالات التعاون العسكري التي سنسمع عنها قريباً. لقد أراد بوتين من خلالها أن يزعزع علاقات الثقة التقليدية بين تركيا وكل من الحلف الأطلسي وأميركا، حيث تمتلك الأخيرة في تركيا 14 قاعدة، أهمها “أنجيرليك” القريبة من سوريا والعراق، و”كوراجيك” التي تستهدف إيران.
  • لتركيا علاقات عسكرية وسياسية مع أوكرانيا وتتار القرم، وهم أعداء لروسيا.
  • لا يريد المجتمع الروسي التورط في أي حرب في سوريا، وهو يتذكّر ورطته في أفغانستان، ولا يريد لها أن تتكرَّر مع دولة مهمّة مثل تركيا، بعد ما حقَّقته روسيا من تنمية اقتصادية واجتماعية في عهد بوتين.
  • 90 في المئة من المحلّلين الروس، المدنيون منهم والعسكريون، والذين كتبوا وتحدثوا خلال الأسبوع الماضي عن الوضع في إدلب وسوريا، أشاروا إلى براغماتية بوتين وحكام الكرملين، وهم من التربية السوفياتية التي تهربت دائماً من أي مواجهة ساخنة مع تركيا، فهم لا يريدون أن يعودوا إلى التاريخ الذي شهد 16 حرباً بين الإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية منذ العام 1570 وحتى العام 1917، وانتصر الروس في 11 منها.

باختصار، هذه هي بعض الملفات التي ستنطلق على أساسها عملية المدّ والجزر في مباحثات إردوغان- بوتين. ويبدو واضحاً أنّه سيرجّح تركيا على سوريا، ولكن بضمانات استراتيجية لا تشكّل خطراً على حساباته، ليس فقط في سوريا، بل في المنطقة العربية عموماً، وخصوصاً أنَّ سوريا كانت منذ الخمسينيات، وما زالت، الحليف الاستراتيجيّ الوفيّ الذي ضحّى بالكثير من أجل هذا الوفاء، والتزم به أكثر من روسيا التي أثبت بوتين بمواقفه الأخيرة المتذبذبة أن ما يهمها هو مصالحها فقط، وهو رأي غالبية المواطنين الروس، والآن السوريين ومن معهم في الصمود.

وإذا خسر بوتين سوريا وأُغلقت قواعده فيها، فلن يكون سهلاً على سفنه التجوّل في الأبيض المتوسط. هذا بالطبع إذا لم يمنحه الرئيس إردوغان قواعد بديلة أو يفكّر في قواعد مماثلة في ليبيا، شرط أن يساعد الجنرال خليفة حفتر في الانتصار على الفصائل المسلَّحة في طرابلس المدعومة من إردوغان.

هذه الحسابات والتطورات تأتي في ظل غياب الدّور الإيرانيّ، على خلفية اهتمامات طهران الداخلية ومشاكلها وحربها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأنظمة الخليج التي ما زالت تتآمر على سوريا وتتجاهل التهديدات الإثيوبية لمصر في موضوع سدّ النهضة، كما تجاهلت في الثمانينيات أزمة المياه بين تركيا وكلٍّ من العراق وسوريا. وستثبت الأيام والأسابيع القليلة القادمة أن سوريا، وبعد صمودها 9 سنوات، هي مفتاح جميع مشاكل المنطقة التي ازدادت تعقيداً بعد ما يُسمى بالربيع العربي، والتي تعدّ تركيا، وبدعم أنظمة الخليج (الآن قطر فقط)، اللاعب الأساسي فيها.

ولذلك، ثمة سببان لا يزالان ساريي المفعول، مهما كلَّف ذلك تركيا من معارك وحروب، الأول إقامة نظام إخواني في سوريا، والآخر إسقاط الأسد، لأنه عرقل ذلك.

ويبقى الرهان على اللحظات الأخيرة من لقاء بوتين وإردوغان، الذي قال عنه الجنرال المتقاعد خلدون صولماز تورك “إنه استفزَّ روسيا وإيران أكثر من مرة، وفي أكثر من مكان، وصبرهما على وشك أن ينفد!”.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى