نوافذ

للحقيقة لاسواها

مختار عيسى

مجافٍ للنصفة، خائنٌ للذات ، متواطئ  مع الشيطان، كل من يضع عصابة سوداء على عينيه ، فلايرى جزءا ولو ضئيلا  من المشهد ، ثم يجترئ بصفاقة  روح، ونذالة  قلم ، وخسة رؤية ، على  الشهادة ، مدعيا  وجوده في قلب الحدث ، وهو على بعد أميال  وعيوية  من بؤرته، ومتطوعا  بالحديث البخس في فضائيات  العهر الإعلامي ، والدعارة  الفكرية ، والنصب  الميديائي .

ومتوضئ بالحكمة ، طاهر الروح والفكرة ، كل من  تحرى ألا يكون واحدا من قطيع ، واحتاط من أن يكون حاملا لمبخرة سادن معبد التدجيل ، أو أن يصبح  جلادا بالرأي  والموقف، لبسطاء  الناس ، خشية أن تزل بهم عقولهم ، وتنحرف بهم تصوراتهم  عما  تريده  تعليباته  الثقافية ،فيما هم  يأملون فيه  نيابة   صادقة عنهم ، ووعيا نوعيا بحكم  عباراته المنشاة ، وصوره اللوامع .

و بينهما  إنسان يجاهد تحت ضغوط يومية اجتماعية وسياسية  لأن يكون على مسافة  قريبة من  الوعي  بأبعاد مرحلة ، الالتباس فيها  هو الحاضر الأبرز ، والتشكيك والتخوين المتبادل  بضاعة السوق  الإعلامية ، يتاجر بها سياسيون ، ومثقفون ، وأصحاب متاجر  إعلانية  في شكل فضائيات ، ومواقع الكترونية وصحف .

لايتطلب الأمر  ، ونحن في عالم إسقاط الأقنعة ، وصناعتها  في آن ،   ونحن في مصانع التزييف المعلب ، و السلفنة والأخونة  والشيطنة والأمركة والتتريك ، بين “القاعدة ”  و”داعش ” ، “والنصرة” ،  و”أنصار بيت المقدس” ، بين “فتح “، و”حماس”، بين المهاجرين  والأنصار في غير عصر نبي ، أو في حضور  أنبياء زائفين  مزيفين ، وكتبة  وحي واشنطوني ،  بين فسطاطي  الإيمان والكفر ،  بين العسكري، والمدني ، بين المدعي  و المتهم ، والمحامي،  والقاضي،  و بين  مشهد  تصدق فيه  إعلاميا  حتى تكاد  تقع في خطيئة  تعصيمه ،  أو تكذب آخر  حتى تعتد تأثيمه ،  بين  عزائف  فرقة  الموسيقا  القومية ، ونشوزات  ترى أن لبعضها حقا في مخالفة النوتة ،  بين  موالٍ ومعارض

بين ظلمة  الأضواء التي  تحول بينك وبين رؤية  صحيحة وصحية ، وعتمة عارضة  توقفك على حد التيقظ ؛ خوفا من تسلل زواحف الوعي إلى روحك القلقة … لايتطلب الأمر وأنت  بين ذلك كله  إلا أن  تعرف  لكل مفردة  من مفردات عنوان  المقال هذا  حقها؛ حيث التفرقة  الواجبة  بين المشهد ، والشهادة، والشاهد ،  وإن كان بعض القراء سيرى ألا تفرقة  ضرورية ،  وأنها ثلاثة في واحد ، أو واحد  مثلث الأضلاع ، متساويها ، إلا أن المهم هو الوعي حتى داخل  مفهوم  الوحدة  بأهمية  التنوع وضرورته، وإن  المخالفة والمحالفة  تفرقهما نقطة ، وتجمعهما نقاط ، فقط لمن  يعي  أهمية وضع النقاط على الأحرف ، نائيا عن هوى خاص ، ومترفعا عن شبهة  انحياز خال من أسباب  موضوعية !

ليس مطلوبا  ـ مادمت  مهما كان موقعك ، ودرجة ثقافتك ، واشتباكك  مع الوعي العام ، إلا أن تخلص النظر إلى أية قضية بعيدا عن التعليبات الفكرية والأقيسة الجاهزة ، والانصياع  وراء مديائيات  لكل منها أهدافه وأساليبه ، والتي ربما  وإن ادعيت اإحاطة  بها سوف  يكون وراء الستار دائما ما يجعل الرأي المقدم من خلالها وعبر آلياتها مجاف  للحقيقة التي  أظن أنها مبتغانا جميعا ، وماعلينا إلا تحريها في كل موقف ، دون اعتساف أو تآويل مغرضة  ضد حلم الإنسانية  بالانعتاق  من سلاسل الأكاذيب الممنهجة في معامل التدجيل

وماعلينا إلا السعي الجاد نحو الحقيقة ، لاسواها.

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

         

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى