مجافٍ للنصفة، خائنٌ للذات ، متواطئ مع الشيطان، كل من يضع عصابة سوداء على عينيه ، فلايرى جزءا ولو ضئيلا من المشهد ، ثم يجترئ بصفاقة روح، ونذالة قلم ، وخسة رؤية ، على الشهادة ، مدعيا وجوده في قلب الحدث ، وهو على بعد أميال وعيوية من بؤرته، ومتطوعا بالحديث البخس في فضائيات العهر الإعلامي ، والدعارة الفكرية ، والنصب الميديائي .
ومتوضئ بالحكمة ، طاهر الروح والفكرة ، كل من تحرى ألا يكون واحدا من قطيع ، واحتاط من أن يكون حاملا لمبخرة سادن معبد التدجيل ، أو أن يصبح جلادا بالرأي والموقف، لبسطاء الناس ، خشية أن تزل بهم عقولهم ، وتنحرف بهم تصوراتهم عما تريده تعليباته الثقافية ،فيما هم يأملون فيه نيابة صادقة عنهم ، ووعيا نوعيا بحكم عباراته المنشاة ، وصوره اللوامع .
و بينهما إنسان يجاهد تحت ضغوط يومية اجتماعية وسياسية لأن يكون على مسافة قريبة من الوعي بأبعاد مرحلة ، الالتباس فيها هو الحاضر الأبرز ، والتشكيك والتخوين المتبادل بضاعة السوق الإعلامية ، يتاجر بها سياسيون ، ومثقفون ، وأصحاب متاجر إعلانية في شكل فضائيات ، ومواقع الكترونية وصحف .
لايتطلب الأمر ، ونحن في عالم إسقاط الأقنعة ، وصناعتها في آن ، ونحن في مصانع التزييف المعلب ، و السلفنة والأخونة والشيطنة والأمركة والتتريك ، بين “القاعدة ” و”داعش ” ، “والنصرة” ، و”أنصار بيت المقدس” ، بين “فتح “، و”حماس”، بين المهاجرين والأنصار في غير عصر نبي ، أو في حضور أنبياء زائفين مزيفين ، وكتبة وحي واشنطوني ، بين فسطاطي الإيمان والكفر ، بين العسكري، والمدني ، بين المدعي و المتهم ، والمحامي، والقاضي، و بين مشهد تصدق فيه إعلاميا حتى تكاد تقع في خطيئة تعصيمه ، أو تكذب آخر حتى تعتد تأثيمه ، بين عزائف فرقة الموسيقا القومية ، ونشوزات ترى أن لبعضها حقا في مخالفة النوتة ، بين موالٍ ومعارض
بين ظلمة الأضواء التي تحول بينك وبين رؤية صحيحة وصحية ، وعتمة عارضة توقفك على حد التيقظ ؛ خوفا من تسلل زواحف الوعي إلى روحك القلقة … لايتطلب الأمر وأنت بين ذلك كله إلا أن تعرف لكل مفردة من مفردات عنوان المقال هذا حقها؛ حيث التفرقة الواجبة بين المشهد ، والشهادة، والشاهد ، وإن كان بعض القراء سيرى ألا تفرقة ضرورية ، وأنها ثلاثة في واحد ، أو واحد مثلث الأضلاع ، متساويها ، إلا أن المهم هو الوعي حتى داخل مفهوم الوحدة بأهمية التنوع وضرورته، وإن المخالفة والمحالفة تفرقهما نقطة ، وتجمعهما نقاط ، فقط لمن يعي أهمية وضع النقاط على الأحرف ، نائيا عن هوى خاص ، ومترفعا عن شبهة انحياز خال من أسباب موضوعية !
ليس مطلوبا ـ مادمت مهما كان موقعك ، ودرجة ثقافتك ، واشتباكك مع الوعي العام ، إلا أن تخلص النظر إلى أية قضية بعيدا عن التعليبات الفكرية والأقيسة الجاهزة ، والانصياع وراء مديائيات لكل منها أهدافه وأساليبه ، والتي ربما وإن ادعيت اإحاطة بها سوف يكون وراء الستار دائما ما يجعل الرأي المقدم من خلالها وعبر آلياتها مجاف للحقيقة التي أظن أنها مبتغانا جميعا ، وماعلينا إلا تحريها في كل موقف ، دون اعتساف أو تآويل مغرضة ضد حلم الإنسانية بالانعتاق من سلاسل الأكاذيب الممنهجة في معامل التدجيل
وماعلينا إلا السعي الجاد نحو الحقيقة ، لاسواها.