لماذا
في روايته ( الشيطان ) يقول الكاتب الروسي ثيودور دوستوفيسكي : ” هذه الكلمة الصغيرة ( لماذا ) تطغى على وجه الكون كالطوفان منذ أول يوم وجدت فيه الخليقة. إن الطبيعة كلها تصيح كل يوم سائلة خالقها ( لماذا ) و هي مازالت تنتظر الجواب منذ سبعة آلاف سنة ”
و أنا لا أعرف منذ متى أردد مع دوستوفيسكي لماذا ؟
أجل … لماذا ؟؟!!!
لماذا الحرب و الحروب ؟ لماذا الاستغلال ؟ لماذا الظلم ؟ لماذا الاستبداد ؟ لماذا القمع ؟ لماذا القهر ؟ لماذا الفقر ؟ لماذا الجوع ؟ لماذا الغلاء ؟ لماذا الاحتكار ؟ لماذا الجشع ؟ لماذا البطالة ؟ لماذا الهجرة ؟ و لماذا و لماذا و لماذا إلى ما لا نهاية …
قديما قال الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري : ( عجبت لمن لا يجد القوت في بيته لم لا يخرج على الناس شاهراً سيفه )..
و في ضيعتنا يقولون : المرأة التي لا تجد الخبز في بيتها تخرج لاستعارة أرغفة لتسد رمق أطفالها الجائعين.
و لما كان اللبيب من الإشارة يفهم فقد بدأت حديثي السابق عن رواية ( موسم الهجرة للشمال ) كمدخل و سؤال للحديث و البحث عن ( ظاهرة ) أصبحت تقض مضجع الكثيرين و تشغلهم ، ألا و هي ظاهرة الهجرة . و مع أن الردود الكثيرة التي وردت أكدت على أن الرسالة و صلت لكن فطنة ( بعضهم ) غابت و لم يلتقط أسباب الهجرة و في رأيي أن أسباب الهجرة أهم من أسباب قبول المهاجرين في البلدان الاسكندنافية و ألمانيا و كندا و السويد.
لقد قصدت دراسة ( الظاهرة ) فثمة علم يسمى ( علم الظواهر – أو علم fenomenologiya فينومينولوغيا
و أنا ( أعوذ بالله من النونة بين ألفين ) أنا ما عدت أتوجه كما المرحوم الأديب يوسف المحمود الذي اشتهر بروايته ( إلى من يهمه الأمر) لأني صرت و أصبحت و أمسيت على يقين من أن أحداً لا يهمه الأمر ، و لم يهمه الأمر ، و لن يهمه الأمر ، و سيقول اللغوي لي إن فعل ( صار ، أصبح ، أمسى ) من أخوات كان أي عن الأفعال الناقصة . مع ذلك أعود إلى ( لماذا ) التي حيرت دوستوفيسكي.. و الظاهرة التي جرتها…
فأنا مثلا لا أعرف لماذا تتكدس القمامة في الشوارع و في المنعطفات و في كل مكان و كيفما اتجهت يتلوث بصرك و نظرك بأكوام القمامة !!! فهذه ظاهرة و ظاهرة النظافة التي كنا نتباهى بها اختفت .
ظاهرة أخرى تقض مضجع ( المواطن ) و تنهشه و تعضه ، و هي ظاهرة التعليم الخاص بدءا من رياض الأطفال مرورا بالتعليم الأساسي و الثانوي و الجامعي …ففي القرية الصغيرة هناك معاهد بالجملة إلى جانب الثانويات الرسمية ، و لا أذكر الأقساط المبالغ بها و كما يقال : إنها مبالغ فاحشة مع أن المدرسين هم هم في الثانويات الحكومية الرسمية و في الخاصة .
اكتفي الان بهاتين الظاهرتين ، لأعود إلى مثال الأم التي لا تجد الخبز في بيتها كفاف أطفالها ، و المعنى واضح ، فعندما تعالج أسباب الهجرة ، و تأمين فرص العمل و الشواغر ، و تحفيز الأعمال الزراعية عوضا عن إحباط الفلاح الذي لا يستطيع أن يحرث أرضه و لا ان يشتري السماد ، و لا المواد الزراعية ساعتئذ يمكن القول للشباب في كل مكان الأفضل لك أن تخدم أهلك و شعبك ووطنك عندما تلغى أسباب الهجرة ، لن تجد الزحام على أبواب و نوافذ الهجرة و الجوازات للسفر.
عندما حاولت ان أقنع أحدهم بعدم السفر و الهجرة : قال بصوت مرتفع : قال الإمام علي كرم الله وجهه: الفقر في الوطن غربة و الغنى في الغربة وطن ..
فاعتبروا يا أولي الألباب…