لماذا أثبَت لبنان والأردن الأكثر فقرًا والأقل موارد نجاحًا ملموسًا في مُكافحة وباء كورونا بينما فشِلَت دُول عُظمى عربيّة وأجنبيّة؟ وأين يَكمُن السِّر؟
لا نعتقد أنّه من قبيل الصّدفة أن تكون اثنِتان من أصغر الدول العربيّة وأقلّها موارد ماليّة، هُما لبنان والأردن، فالمَسألة ليست موارد ماليّة أو عوائد نفطيّة، وإنّما مسألة إدارة وكفاءَة، ووعِي شعبيّ، وتصرّف حُكومي سريع لمُواجهة الوباء فرغم مشاكِلها السياسيّة، وأزَماتها الماليّة المُتفاقِمة، نجحت الحُكومة اللبنانيّة، وخاصّةً الحاليّة بقِيادة حسان دياب في السّيطرة على تفشّي وباء الكورونا، وتقليص أضراره، بالتّعاون مع أجهِزتها وخُبرائها في الميدان الصحّي، بحيثُ بلغت حالات الإصابة 682 حالةً فقط و22 حالة وفاة، وتوفير الاختِبارات ونتائجها في أقل من 24 ساعة، حسب تقرير لصحيفة “الواشنطن بوست” وهذه أرقامٌ مُتواضِعَةٌ بالمُقارنة ببعض الدّول الخليجيّة الثريّة، والأقل سُكّانًا بمُعدَّل الثُّلث أو النِّصف، مِثل الإمارات وقطر، حيث تَبلُغ الإصابات اليوميّة حواليّ 600 إصابة في المُتوسِّط.
أمّا إذا انتقلنا إلى النّموذج المُشرِّف الثّاني، أيّ الأردن، فقد أعلنت الحُكومة اليوم الجمعة تسجيل 9 حالات إصابة بفيروس كورونا المُستَجد، وأعلن وزير الصحّة الدكتور سعد جابر السبت الماضي بكُل شفافيّة عن هذه الحالات الجديدة، واحتفَلت حُكومته بيوم “الصّفر” لاحقًا، أيّ عدم تسجيل أيّ حالات، وقال الدكتور جابر إنّ سبعة من المُسجَّلين الجُدد من أُسرةٍ واحدةٍ.
الحُكومة الأردنيّة كشَفت عن وجود 381 حالة إصابة حتّى الآن، من بينها 7 حالات وفاة فقط، وما يُميِّزها عن غيرها، أنّها اعتمدت على تجربتها الشخصيّة، وليسَ أيّ تجارب مُستَوردة من الخارج، مع بعض الاستِثناءات الضَّروريّة في هذا الميدان اعتِمادًا على توصيات منظّمة الصحّة العالميّة، وأخذ بعض الجوانِب النّاجحة في تجارب دول مِثل الصين.
إنّ هذه النّماذج في النّجاح اللّافت في مُواجهة هذا الوباء الخطير، يعود إلى التّعاون بين الحُكومتين والشّعب، والالتِزام شِبه الكامل بسِياسات الإغلاق، حتى لو تطلَّب الأمر نُزول الجيش إلى الشّوارع لفرض حظر التجوّل مِن المُفارقة أنّ النّظامين الصحّيين في هاتَين الدّولتين أثبتا أنّهما الأكثر كفاءةً وإدارةً وتَقدُّمًا من دولٍ عالميّة كُبرى مِثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، رُغم الفارِق الكبير في الإمكانيّات والإرث الطبّي.
تعوّدنا في وسائل الإعلام التّركيز على السلبيّات، وإبراز الانتِقادات، ولكن نَجِد إلزامًا علينا في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” أن نَكسِر هذه القاعدة، وأن نُرَكِّز على الإيجابيّات، ونقول شُكرًا لمَن قدّم نموذجًا من النّجاح في هذا الزّمن الصّعب.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية