لماذا الشعر؟
ها أنذا و قد فقدت كل شيء ، أجدني لم أفقد بعد صحبة الشعر الذي يرافقني حتى اليوم و أنا في أرزل العمر !.
يصاحبني الشعر في كل الأوقات غير أن صحبته الكبرى لا تكون إلا حين أستلقي على سريري ، و أغطي جسدي بأكمله باللحاف فإذا بالشعر وحده يستلقي معي و يغوص تحت اللحاف مداعبا إياي في جسدي ثم يوغل في أعماقي كي يبدأ لعبته الكبرى في أن يوحي و يلهم عبر اللغة الهاربة التي أقتنصها وأخضعها لما في لعبة الشعر هذه من قفزات و مناورات وإستراحات تطوف عبرها التأملات التي يجود بها وحيٌّ غامض و هكذا أجدني أقفز من مطلع إلى مطلع آخر كمن يقفز عاريا إلى النهر الذي يحسب أنه سيجري به إلى إستراحة شجية عامرة ، بالجديد والمثير لمتابعة الرحلة التي يبعثرها النوم وتغطيها الأحلام الضائعة … و حين أستيقظ أجدني و قد نسيت كل شيء و لم يبقى سوى نثار من الجمل القصيرة كمطالع مبعثرة لا تصلح لصنع قصيدة متكاملة …و لكم حاولت ثمّ أخفقت تماما كما أكتب الأن ..
فقدتُ كلَ أصحابي سواه …
حين رميتُ كرتي نحو الهدف …
ها أنذا في النهر عاريا ..
ما أطيب النوم و ما أسخاه ! …
هذه بعض المقاطع التي أقتنصتها واخترعتها عند يقظتي … كلام لا يشبهني تماما ، و صديق مجهول لا يكمل حواره معي ، فاليقظة لها مفاتيحها الخاصة و النوم له إستراحاته التي تشبه الواحات …
ما هو الشعر أيها السادة ؟ لكم حاولت أن أجد له تعريفا أرضى عنه ثم سرعان ما أكتشف أن تعرفي فارغ من معناه … إليكم هذا المقطع :
ياليتني اعرف من أنا …
كي أستطيع أن أقفز نحو البحر
من دون أن أخشى الغرق
أنا الذي تسلق الجدران
ثم إقتحم النيران
و احترق
أردت أن أقول للسلطان
كلمة واحدة في أن أكون صادقا
لو مرة واحدة
ثم أموت بعدها
في آخر النفق ….
……….
ثم توقفت عند هذا السطر الأخير كأنني أسير الضرورة التي أشار إليها الشاعر الفرنسي جان كوكتو ذات يوم حين طرح عليه هذا السؤال :
ما هو الشعور في رأيك ؟ فقال : إنّ الشعر ضرورة و لكن ليتني أعرف لماذا ؟ و الجواب غير ضروري على الإطلاق !…