لماذا انتحرت زوجة عمر حمدي سيليفيا ؟

على مقربة من مدينة دمشق ، توجد بلدة صغيرة اسمها دمر، وفيها كان نهر بردى يمر في الشتاء متدفقا بغزارة قلقا من مستقبل ينتظره كنهر وينتظر الأرض التي يمر عليها كوطن. هناك وعلى بعد ثلاثة أمتار من ضفته كان يسكن الفنان السوري العالمي عمر حمدي ((مالفا)) عام 1977 ..

أرسلني إليه شاعر إشكالي عالمي أيضا ((هو الآن أميركي)) اسمه رضا أسعد، وكان رضا رئيسا في لجنة إصدار مجلة علمية وأنا أعمل بأمرته . وكان ينبغي أن تصدر المجلة التي كان يرأس تحريرها الدكتور حسين الابراهيم سريعا وفي وقت محدد، ولذلك كان العمل دؤوبا لانجازها .

في هذا الظرف تعرفت على عمر حمدي الذي كان يصممها، وكانت مهمتي: المتابعة ونقل المقالات والمصورات إليه ثم إعادتها إلى المطبعة مع المانكيت الذي يضعه هو لها، ولأنني كنت في مقتبل العمر ولأنني كنت وفيا لعملي قال لي :

سأضع اسمك على الصفحة الأولى للمجلة ، وهكذا كان ، ولم أكن أعرف أن هذا الفنان سيصبح فنانا عالميا ولم أكن أعرف أن هذه المرة الأولى التي سيكتب اسمي فيها على الغلاف الداخلي لمجلة .

كان عمر حمدي، وكما تستعيد ذاكرتي تلك الأيام الآن متزوجا من امرأة قمحية اللون كأميرة كردية تحنو عليه وهي تراه يرسم لوحات كبيرة بوجه متجهم كان أحرق عددا منها لأن أحدا لم يزر معرضه في دمشق .

وأنا أقرأ في الفن التشكيلي تعرفت على عمر حمدي، وقد أصبح اسمه ((مالفا )) وكنت أعرف أنه سيهاجر منذ ذلك الوقت لأنه قال لي إنه يائس لايريد أن يعيش بهذه الطريقة ، وفعليا باع بيته ورحل إلى العالم ليعود إلينا قديسا تشكيليا اسمه ((مالفا)). اليوم نقلت صحيفة الوطن السورية عن صحيفة «ميرور» البريطانية أن الفنانة التشكيلية «سييريوس» «50 عاماً» هي الزوجة الثالثة لعمر، يعني : «مالفا» انتحرت حزنا على رحيله !

عاشت سليفيا ، وهو اسمها، عاشت معه نحو عشرين عاماً، بعد زواجهما، إثر قصة حب عاصفة، ظل كل منهما وفياً لها حتى لحظة رحيله، وأشارت الصحيفة إلى أن سيليفيا ظلت مقيمة في الفيلا التي تركها زوجها ، على أمل أن تجعل منها متحفاً لأعماله لافتة إلى أن مالفا من مواليد مدينة الحسكة السورية .ورجحت إحدى شقيقات سيليفيا اللواتي كن على تواصل يومي معها أن انتحارها كان نتيجة حالة الحزن والكآبة التي عاشتها بعد رحيل حمدي.

وعندما تبحث عن اسمه ترى أن عمر ، كتب على موقعه الرسمي نصّاً، جاء فيه: “لم أملك سوى المنفى في لوحتي، لغةً أو وطناً يرسم مكان موتي”. وفعلاً، رحل “مالفا” (1952 – 2015) في فيينّا.

لم تستطع سيليفيا تحويل البيت إلى متحف ، ونحن في سورية لن نستطيع بناء هذا المتحف الآن لأننا نخاف أن تدمره الحرب .. ليست سيليفيا وحدها الوفية لمالفا . نحن أيضا أوفياء له .. فأنا ومنذ عام 1977 وكلما أمر من بلدة دمر أتذكر بيت عمر حمدي وأتذكر الحروف التي كتب فيها اسمي على مجلة علمية، بل وأستعيد صورة امرأة تشبه أميرة الكردية كانت زوجته الأولى، وأمس كنت في المكان نفسه، وكان نهر بردي حزينا إلا من بضع حبات من الدموع يجرين فيه ، وقد شرعت الأشجار في اليباس على ضفتيه!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى