تحليلات سياسيةسلايد

لماذا بدأ ماكرون يتراجع عن تطاولاته المسيئة على الجزائر ..

بعد تطاوله على الجزائر وجيشها وشعبها، والتشكيك في وجود امة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي الذي استمر اكثر من 130 عاما، ها هو الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يبدأ في التراجع، ويتطلع الى التهدئة.

في مقابلة “متعمدة” مع محطة “فرانس انتر” قال ماكرون امس “اكن احتراما كبيرا للشعب الجزائري ولدي ثقة كبيرة بالرئيس عبد المجيد تبون، وتربطني به علاقات ودية، وأتمنى ان نتمكن عبر الحوار من تهدئة التوتر الدبلوماسي”، ولمحّ الى احتمال الغاء القرار بتخفيض تأشيرات الدخول لفرنسا للمواطنين من الاتحاد المغاربي.

الرئيس ماكرون الذي ايد الرسوم الكرتونية المهينة للرسول محمد “صلى الله عليه وسلم” بحجة حرية التعبير، وحرّم النقاب، وربط الإسلام بالإرهاب، تخطى كل الخطوط الحمر عندما كشر عن انياب العداء للجزائر عندما ادلى بأقوال نشرتها صحيفة “لوموند” قبل أسبوع ولم ينفها ابرزها “ان الجزائر قامت بعد استقلال عام 1962 على نظام ريع الذاكرة الذي كرسه النظام السياسي العسكري”، وأضاف “بأنه سيقوم بإعادة كتابة تاريخها باللغتين العربية والامازيغية، ونفى كليا وجود امه جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي عام 1830”.

كثيرون برروا تصريحات ماكرون هذه بأنها تعود الى اقتراب موعد الانتخابات الفرنسية، حيث تتراجع  حظوظه وحزبه فيها، بينما رأى البعض الآخر انها تعود الى حالة العداء العنصري تجاه العرب والمسلمين، وخاصة دول الاتحاد المغاربي، ليس ادل على ذلك رده الاعتبار “للحراكيين” الجزائريين (حوالي 300 الف منهم) الذين حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي ضد الثورة الجزائرية، ورحل معظمهم مع الاستعمار الفرنسي بعد هزيمته المذلة على ايدي المجاهدين، واستقباله الحار لوفد يمثلهم في قصر الاليزيه.

هذا التراجع من قبل الرئيس الفرنسي ما كان ان يتم لولا رد الفعل الجزائري الرسمي والشعبي القوي على هذا التطاول، فقد بادرت السلطات الجزائرية بسحب سفيرها من باريس فورا، وأغلقت اجواءها في وجه الطائرات الحربية الفرنسية المتجهة الى الساحل الافريقي، وهددت بخطوات اخرى اكثر ايلاما.

ماكرون ومعظم قادة أوروبا وامريكا ما زالوا ينظرون الى العرب والمسلمين نظره دونية إحتقارية، ويعتقدون ان شعوبنا ما زالت خاضعة لاستعمارهم، ولا يفهمون الا لغة القوة، وينسون ان بلدا مثل الجزائر ضحت بأكثر من 5 ملايين مجاهد في حربها لتحرير ارضها، والشيء نفسه يقال عن معظم الدول العربية والإسلامية في القارتين الافريقية والآسيوية.

الكرامة، وعزة النفس، واحترام العقائد الدينية، عناوين رئيسية للذاكرة والهوية الجامعة في العالمين العربي والإسلامي، ومن المؤسف ان ماكرون الذي يريد إعادة كتابة تاريخنا لا يعرف، وان عرف لا يفهم، هذه الثوابت الأساسية في الشخصية الجزائرية ونظيراتها في كل شعوب الاتحاد المغاربي.

حتى المؤرخ الفرنسي بنجمان ستورا الذي كلفه ماكرون بكتابة تاريخ فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر كذّب رئيسه، واعترف ان الامة الجزائرية كانت موجودة قبل الاحتلال الفرنسي، وانه كان لفرنسا قناصل في الجزائر العاصمة قبل هذا الاحتلال.

تجاوز هذه الازمة لا يجب ان يتم الا من خلال تقديم الرئيس ماكرون اعتذارا صريحا واضحا للشعب الجزائري لا لبس فيه او غموض، ليس فقط عن هذه التطاولات والتصريحات الأخيرة، وانما أيضا عن فترة الاستعمار الفرنسي، والجرائم التي ارتكبها على مدى 132 عاما، والتعويض لأسر الشهداء تماما مثلما تطالب المنظمة الوطنية للمجاهدين.

ماكرون اعتذر للدولة والشعب الرواندي على جرائم بلاده وصمتها على المجازر، فلماذا لا يعتذر للجزائر وكل الدول العربية والإسلامية التي جرى ارتكاب هذه الجرائم بحقها، وهي جرائم حرب تتواضع امامها الجرائم الرواندية.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى