لماذا تتراجع اللّيرة التركيّة إلى مُعدّلاتٍ غير مسبوقة رغم نجاح الحُكومة في السّيطرة على فيروس كورونا؟
رغم النّجاح الكبير الذي حقّقته السّلطات التركيّة على صعيد مُكافحة فيروس الكورونا بالمُقارنة مع الدول الأخرى، إلا أنّ الانعِكاسات على الاقتصاد التركيّ كانت مُؤلمةً، وخاصّةً على اللّيرة التركيّة التي دخلت أزمة انخِفاض جديدة حيث وصل سعرها إلى حواليّ 7.2 مُقابل الدولار يوم الخميس كانت هُناك توقّعات في أوساط غربيّة بأنْ تتجاوز تركيا إيطاليا على صعيدِ أعداد الوفيّات بالكورونا ولكن ما حدث هو العكس تمامًا، حيث تقلّص عدد الوفيّات إلى 3541 حالةً حتّى الآن، بالمُقارنة مع 30 ألفًا في إيطاليا، و32 ألفًا في بريطانيا، وهُما الدّولتان اللّتان يُعتَبر عدد سكّانهما الأقرب لنَظيرتهما تركيا.
وكالة أنباء الأناضول الرسميّة اتّهمت مؤسّسات ماليّة في لندن بشن حملات لإضعاف اللّيرة من خِلال شرائها العُملات الصّعبة من الأسواق التركيّة، أيّ اللّيرة، الأمر الذي أدّى إلى هذا الانخِفاض المُقلِق بيرات البيرق، وزير الماليّة وصِهر الرئيس رجب طيّب أردوغان، سارع إلى طمأنة المُستَثمرين بأنّ الحُكومة لن تفرض قيودًا على الأرصدة في المصارف، رُغم أنّ احتِياط البنك المركزيّ من الاحتِياطات الصّعبة حسب تقرير لوكالة بلومبيرغ انخَفض حواليّ 15 مِليار دولار في الأيّام والأسابيع الأخيرة ووصل إلى 25 مِليار دولار وهو أدنى مُعدَّلٍ له.
ويعود تراجع الاحتياط من العُملات الصّعبة إلى إقدام المصارف المحليّة على بيع ما مِقداره 10 مِليارات دولار من العُملات الصّعبة في الأسواق المحليّة لدعم اللّيرة هُناك حلّان حسب الخُبراء الاقتصاديين لمُواجهة هذه الأزمة، الأوّل رفع سعر الفائدة، والثّاني اللّجوء إلى صندوق النقد الدولي، ولكنّ الرئيس أردوغان يرفض الحلّين، لأنّ الأوّل سيُؤدِّي إلى زيادة مُعدّلات التضخّم، أمّا الثّاني سيجعل الاقتصاد التركيّ أسير ذلك الصندوق المكروه إسلاميًّا وفي العالم الثّالث.
ويعتقد بعض المُراقبين أنّ خوض تركيا حربين الأولى في سورية والثّانية في ليبيا، علاوةً على وجود 5 ملايين لاجِئ سوري، وتصاعد الضّغوط الغربيّة، ووجود خلافات بعضها مُعلنٌ، والآخر مُبطّنٌ مع مُعظم دول الجِوار، وعدم وضوح العُلاقات مع أكبر قوّتين عُظميين هُما أمريكا وروسيا، وتصاعد الأزمة الداخليّة وحُدوث انشِقاقات في حزب العدالة والتنمية الحاكم كلّها عوامل انعكست سلبًا على الاقتصاد التركيّ، أيّ أنّ السّبب ليس فيروس كورونا وانهِيار الموسم السياحيّ فقط.
أثناء أزمة اللّيرة الأولى عام 2018 تدخّلت دولة قطر الحليفة وضخّت 15 مِليار دولار من العُملات الصّعبة كاستِثمارات في الاقتصاد التركيّ، وخفّف الرئيس أردوغان من حدّة الأزمة مع أمريكا بالإفراج عن القِس المُعتقل أندرو برانسون، وما زال من غير المعروف ما إذا كان الحليف القطريّ سيتدخّل مرّةً أُخرى في ظِل الأزمة الاقتصاديّة التي يعيشها حاليًّا بسبب انتِشار الكورونا، وانخِفاض أسعار النّفط والغاز.
الأزمة الاقتصاديّة التركيّة الحاليّة أكثر تعقيدًا من جميع الأزمات السّابقة، ومن غير المُستَبعد أن تُؤدِّي إلى انتخاباتٍ مُبكِّرةٍ برلمانيّةٍ ورئاسيّةٍ.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية