لماذا تتعرّض العلاقات السوريّة الأردنيّة إلى “انتكاسةٍ”؟ وهل المُلحق التّجاري الأمريكيّ بات وزير التّجارة الأردنيّ الحقيقيّ؟
من زار الأردن في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، وتحديدًا عندما تقرّر إعادة فتح معبر نصيب على الحُدود السوريّة الأردنيّة في حينها، لمَس حالةً من الاحتفاليّة العالية بهذا الحدث تسود مُعظم الأوساط الشعبيّة الأردنيّة، حيث تدفّق الآلاف من الأردنيين إلى دِمشق، سواء للتبضّع، أو زيارة الأهل والأقارب، أو حتّى من باب التّضامن مع هذا البلد العروبيّ الذي استهدفته حرب وحِصار ظالِمَين، وكان دائمًا يفتح ذِراعيه لأشقائه في الجنوب، ودون أيّ عوائق.
هذه الخطوة، أيّ فتح الحُدود، جاءت بعد زيارات قامت بها وفود برلمانيّة ونقابيّة مُتعدّدة تحدت الحصار، وكسرت العُزلة، ولكن كل هذه الجُهود الشعبيّة والإعلاميّة التي طالبت بترجمة هذه الفرحة إلى تطبيعٍ سياسيٍّ، على أعلى المُستويات، بين الجارين العربيين، وجدت آذانًا صمّاء، في الجانب الأردني، والسّبب هو “الفيتو” الأمريكيّ، الذي تطوّر إلى عودة أشد للحِصار.
أثار السيد طارق الحموري، وزير الصناعة والتجارة الأردني حالةً من الغضب في الأوساط السياسيّة والاقتصاديّة الأردنيّة عندما أصدر فرَمانًا بحظر جميع رُخص الاستيراد والتُصدير من وإلى سورية، الأمر الذي أصاب الكثير من التجّار ورجال الأعمال بحالةٍ من الإحباط، وفجّر حالةً من البلبلة والجدل في الشارع الأردني.
الجانب الرسمي حاول تبرير هذا القرار بتسريب تقارير صحافيّة تتحدّث عن مُعاملة سيّئة من الجانب السوري للتجّار والبضائع الأردنيّة، أو رفع الرسوم المفروضة على البضائع والشاحنات التي تقلها في الاتّجاهين، ولكن هذه التبريرات الرسميّة لم تُقنع إلا أقليّة الأقليّة، التي كانت تُعارض خطوة فتح الحدود بسبب وقوفها في الخندق الأمريكي.
السّلطات السوريّة التي تقبض على الجمر هذه الأيّام، وتُحاول ضبط النّفس في مُواجهة ظُلم ذوي القُربى، وفي الأردن تحديدًا، تعيش حالةً من خيبة الأمل من جارها الجنوبي، خاصّةً عندما لجأت إليه للمُساهمة في حل أزمة المحروقات التي جعلت طوابير الشّاحنات والسيّارات الخاصّة تمتد لعدّة كيلومترات أمام محطّات الوقود، لتجِد هذا الجار يُدير وجهه إلى النّاحية الأخرى، ويُفاجأ، أيّ الجار السوري، بإصدار مصفاة البترول الأردنيّة حظْرًا على تصدير أيّ من إنتاجها إلى سورية.
كلمة السّر التي تُوضّح أسباب هذه الانتكاسة في العلاقات السوريّة الأردنيّة التي وأدت فرحة شعبيّة عفويّة بفتح الحُدود، يُمكِن العُثور عليها في دهاليز قلعة السّفارة الأمريكيّة في العاصمة الأردنيّة، وبالتّحديد في مكتب الملحق التّجاري الأمريكيّ الذي بات صاحب القرار الأوّل والأخير في كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ تتعلّق بالأنشطة التجاريّة الأردنيّة.
هذا المُلحق التجاري، الذي يتصرّف كمندوبٍ سام، استدعى رجال أعمال أردنيين على رأسهم السيد حمدي الطباع، وزير التجارة الأردني الأسبق، وأبلغهم، ولا نقول أمَرَهُم، بوقف كل أعمالهم التجاريّة مع سورية، وهدّد بأنّ كُل من يخترق هذه الإملاءات سيوضع على القوائم الأمريكيّة السّوداء، ومُواجهة سلسلة طويلة من العُقوبات.
السيد عبد الكريم الدغمي، النائب في البرلمان الأردني كان مُصيبًا عندما وصف هذا التصرّف الأمريكيّ بأنّه قمّة “البلطجة” وذروة “الزعرنة”، ولكن هذه الجُرأة والشّجاعة في التّوصيف، ومن شخصيّة نيابيّة أردنيّة لها ثُقل، لم ولن يُغيّر من الواقع المُؤسف الذي يعكسه قرار وزير التجارة الأردني السيد الحموري بحظر تصاريح التّصدير والاستيراد من وإلى سورية.
نعرف مُعظم تفاصيل الوضع الاقتصادي الصّعب الذي يعيشه الأردن هذه الأيُام، مثلما نُدرك حجم الأزمة الماليّة، وضخامة الدّين العام، وشُح المُساعدات الخليجيّة، ولكنّنا نُدرك أيضًا أنّ دولًا مثل العِراق استطاعت أن تتّخذ مواقف تُجبر الولايات المتحدة على إعفائها من الانخراط في الحظر المفروض على صادرات إيران من النّفط والغاز، وتجنيبها أيّ عُقوبات، فلماذا ينجح العِراق ويفشل الأردن الأكثر صداقةً وقُربًا من واشنطن؟
الحُكومة الأردنيّة تُواجه ضُغوطًا شعبيّةً مُتعاظمةً، والهُوّة بينها وبين المُواطنين الذين يُعانون من آلام سوط الضّرائب والغلاء، ونقص الخدمات تتّسع وتُهدّد بحِراك شعبي لا أحد يستطيع التنبؤ بنتائجه، واستمرار الرضوخ للمطالب والإملاءات الأمريكيّة، ليس فقط على صعيد تشديد الحِصار على سورية، وإنّما في ميادينٍ أخرى، وأبرزها “صفقة القرن” القادمة، سيُعجّل من انفجار الاحتقان الشعبيّ المُتعاظم، ونتمنّى أن نرى بعض المخالب والأنياب لهذه الحُكومة في هذا المضمار، ونحنُ من أهل مكّة، ونحنُ أدرى بشِعابها أيضًا.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية