لماذا تتقدّم المُصالحة المِصريّة القطريّة وتتراجع نظيرتها الإماراتيّة القطريّة؟

 

بعد يومٍ واحد من لقاءٍ قطريّ إماراتيّ مُفاجِئ، والأوّل من نوعه بعد قطيعة استمرّت ثلاث سنوات، انعقد لقاء مُفاجِئ أكثر في العاصمة الكويتيّة نفسها بين وفدين مِصري وقطري تحت عُنوان تطبيق اتّفاق المُصالحة الذي تم التَّوصُّل إليه في مدينة “العُلا” السعوديّة في الخامس من كانون الثاني (يناير) الماضي.

بينما لم تَصدُر أيّ تسريبات أو تصريحات رسميّة عن اللّقاء الإماراتي القطري يوم الاثنين الماضي، حرص الجانبان القطري والمِصري على التّأكيد بأنّ اجتماعهما تمخّض عن اتّفاق بإعادة فتح السّفارات على مُستوى القائمين بالأعمال أوّلًا وكتمهيد لتبادل السّفراء لاحِقًا.

مصدر مِصري أكّد لـ”رأي اليوم” أنّ الطّرف المِصري “أصرّ أثناء المُحادثات على تَعَهُّدٍ قطريٍّ مكتوب لعدم التَّدخُّل في الشّؤون الداخليّة المِصريّة، بما في ذلك وقف تحوّل قناة “الجزيرة” إلى منبر للمُعارضة المِصريّة في الخارج باعتبار هذا المطلب أولويّة قُصوى”، وأضاف المصدر نفسه “بأنّ الهدف الأساسي من هذه اللّقاءات التي ترعاها الحُكومة الكويتيّة وأمير البِلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح هو إعادة الثّقة للعُلاقات بين البلدين، وبطريقةٍ تدريجيّةٍ وعلى نارٍ هادئة وبعيدًا عن الإعلام”.

اللّافت أنّه في اللّقاءات الإماراتيّة والمِصريّة من ناحية، والقطريّة من النّاحية الأُخرى لم يتم الكشف عن مُستوى المُشاركين فيها ومناصبهم، ممّا يُوحِي بأنّهم من أجهزة المُخابرات، وليس من السّلكين الدّبلوماسي أو السّياسي، حسب ترجيح أحد الخُبراء في الشّأن الخليجي.

هُناك مُؤشّرات قويّة تُؤكِّد أنّ اللّقاء الإماراتي القطري لم يُحَقِّق أيّ تقدّم حقيقي على صعيد المُصالحة رُغم الجُهود الكبيرة المَبذولة من قبل السّلطة الكويتيّة، وهذا ما يُفَسِّر استِمرار القصف الإعلامي المُتبادل بين الجانبين، ولكن لم يرشَح حتّى الآن أيّ معلومات عن أسباب عدم النّجاح في هذا المِلف، أو ما إذا كان هُناك لقاء ثان بعد إعطاء فُسحة للوفدين للتّشاور مع حُكومتيهما، حسب ما أفاد به مصدر إعلامي كويتي.

عندما سُئِل الأمير تميم بن حمد من قِبَل زوّاره العرب والفِلسطينيين في الأيّام القليلة الماضية عن المُصالحة وتطوّراتها قال بالحرف الواحد “ستتم المُعاملة مع هذا المِلف بـ”القطعة”، وربّما يحتاج الأمر إلى ثلاث سنوات (فترة المُقاطَعة) حتى تعود المِياه إلى مجاريها، فالأمر يتطلّب الكثير من الوقت، وقطر ليست في عجلةٍ من أمْرِها فقد نجحت في امتِصاص أضرار الحِصار الذي لم يَعُد مُؤثِّرًا”.

هُناك عدّة نقاط جوهريّة لا بُدّ من التوقّف عندها إذا أردنا إجراء قراءة أقرب إلى الدقّة لمِلف المُصالحة الخليجيّة:

الأولى: جميع الدّول الأربع التي كانت تُقاطِع قطر (مِصر، السعوديّة، الإمارات، البحرين) كانت حليفةً قويّةً لإدارة ترامب، وتضع كُل بيضها السّياسي والاستراتيجي في سلّتها، وفوز جو بادين خلق نوعًا من التوتّر في عُلاقاتها مع أمريكا، واللّافت أنّ الرئيس بايدن لم يُهاتِف أيّ من زُعماء هذه الدّول حتى كتابة هذه السّطور.

الثّانية: تحوّلٌ كبيرٌ في السّياسة المِصريّة نحو الشّمال، وانفِتاحها أكثر على الأردن والعِراق في تحالفٍ جديد، وسط أنباء عن فُتور عُلاقاتها مع الإمارات وتَوَتُّر غير مرئي مع المملكة العربيّة السعوديّة، أيّ أنّ اعتِمادها على الخليج لم يَعُد بالقدر نفسه الذي كان عليه قبل سِت سنوات أو أكثر مع التّأكيد في الوقت نفسه على حِرص القِيادة المِصريّة على العُلاقة مع الكويت وتعزيز دورها الإقليمي، وإنجاح جُهود المُصالحة التي تَبْذُلها.

الثّالثة: تبنّي مِصر هذه الأيّام سياسةً أقرب إلى سياسة “صِفر مشاكل” مع الجيران التي تخلّت عنها حُكومة الرئيس رجب طيّب أردوغان التركيّة، ويتّضح ذلك في إعادة فتح سِفارتها في ليبيا، وتوثيق عُلاقاتها مع السّودان بعد فُتور، والانفِتاح أكثر على دول شرق المتوسّط مِثل قبرص واليونان وفرنسا، أيّ أنّ مِصر لا تُريد التّصعيد مع أحد في إطار تركيزها على الدّاخل، بِما في ذلك تركيا حيث تتواصل المُفاوضات معها تحت الطّاولة، وعبر أجهزة المُخابرات.

الرابعة: حُدوث تغيير في موقف قطر، وانخِفاض مُستوى “سياسة المُناكفة” والتّصعيد مع الدول الخليجيّة (باستِثناء الإمارات)، وذكر مسؤول خليجي سابق لـ”رأي اليوم” أنّ الأمير تميم بات يميل أكثر إلى النّموذجين العُماني والكُويتي، أيّ إقامة عُلاقات جيّدة مع الجميع بقدر الإمكان، والتّركيز على بناء دور قطري أكثر تصالحيّة في ظِل اقتِراب موعد تنظيم كأس العالم الكرويّة العام المُقبل، وسُقوط إدارة ترامب.

بالنّظر إلى هذه النّقاط الأربع من غير المُستَبعد أن نرى تقاربًا مِصريًّا قطريًّا وشيكًا في ظِل انحِسار الحملات الإعلاميّة بين البلدين وصُدور تعليمات واضحة، وللإعلام المِصري خاصّةً، بعدم التَّعرُّض لقطر سلبًا أو إيجابًا، وحُدوث تباعد إماراتي مِصري بالنّظر إلى استِمرار الحملات الإعلاميّة المُتبادَلة دُون أيّ التزامٍ باتّفاق “العُلا”.

الالتِزام المُتبادَل المِصري القطري بعدم التَّدخُّل في الشّؤون الداخليّة للبلدين ستترتّب عليه واجِبات كبيرة، خاصّةً على الجانِب القطري الذي يُعتَبر الدّاعم الأكبر للمُعارضة المِصريّة وحركة “الإخوان المسلمين” والمِنصّات الإعلاميّة النّاطقة باسمها في إسطنبول، وظُهور قِياداتها على شاشة “الجزيرة” بصِفةٍ مُنتظَمَةٍ، فهل ستُوقِف، أو تُخَفِّف قطر هذا الدّعم؟

الأسابيع المُقبلة، وأداء قناة “الجزيرة” تحديدًا، ستُجيب على هذا السّؤال.. واللُه أعلم.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى