لماذا تسحب واشنطن صواريخ باتريوت من السعودية؟
نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” مؤخراً عن مسؤولين أميركيين أن “الولايات المتحدة تقوم بإزالة أنظمة باتريوت المضادة للصواريخ من السعودية، وتدرس خفض القدرات العسكرية الأخرى”، الأمر الذي يمثل في الوقت الحالي، بحسب الصحيفة، نقلاً عن المسؤولين الأميركيين، “نهاية لتراكم عسكري واسع النطاق لمواجهة إيران”.
من جهة أخرى، قال الممثل الأميركي الخاص لملف إيران، بريان هوك، لشبكة “سي أن بي سي” الأميركية: “إن التزام واشنطن بأمن حلفائها الخليجيين لم يتغيّر، على الرغم من أنه يبدو أن هناك تحوّلاً في وضع القوة في المنطقة”، مستطرداً: “هذا لا يعني أن إيران لم تعد تشكل تهديداً، ونحن نقف مع شركائنا وحلفائنا في المنطقة، كما أننا نفعل كل ما بوسعنا لحماية المصالح الأميركية”.
في الحقيقة، إنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها طرح مسألة حساسة تعني الأميركيين عبر العالم، بحيث يتناقلها الكثير من وسائل الاعلام، وفي الوقت نفسه تصدر عن مسؤولين أميركيين، دبلوماسيين أو عسكريين أو حتى عن الإدارة الأميركية مباشرة، وتبقى هذه المسألة غامضة وغير مفهومة، وأيضاً تكون أهدافها المعلنة غير الأهداف الخفية منها، فدائماً ما كانت سياسة واشنطن تقوم على الإعلان عن الشيء للوصول إلى عكسه أو إلى ما يناقضه.
من هنا، ليس بالضرورة أبداً أن تكون الأهداف المعلنة من القرار الأميركي المزمع حول سحب بطاريات باتريوت من السعودية، متعلقة بالتناقض الظاهر بين واشنطن والرياض في موضوع رفع الأخيرة إنتاجها من النفط، الأمر الذي سبب انخفاضاً حاداً في أسعاره، ما أثر سلباً، وبشكل شبه قاتل، في صناعة النفط الصخري وإنتاجه في الولايات المتحدة الأميركية، فهناك الكثير من المعطيات المرتبطة بالموضوع من النواحي العسكرية أو الاستراتيجية، من المفيد الإضاءة عليها، لمحاولة الوقوف على حقيقة الأهداف الأميركية.
تفيد أغلب المعطيات بأنّ منظومات الباتريوت المزمع سحبها هي من ضمن قوة دفاع جوي صاروخية نشرها الأميركيون في قاعدة الأمير سلطان الجوية في منطقة الخرج، جنوب شرق الرياض بحوالى 100 كلم. وكانت القوة في الأساس من ضمن مجموعة تقدر بحوالى 14000 جندي أميركي، انتشرت في قواعدها البحرية والبرية على كامل منطقة الخليج منذ حوالى عام تقريباً، رداً على تصاعد التوترات بشكل كبير مع إيرانمن الناحية العسكرية، إذا اعتبرنا أن وحدة الباتريوت الصاروخية موضوع بحثنا، والمنتشرة قرب الرياض، تهدف إلى حماية المملكة ومواقعها الحيوية بعد الضربات اليمنية بصواريخ باليستية أو بطائرات مسيّرة، فإن هذه المنظومات عملياً، ومن مكان انتشارها، عاجزة عن حماية مواقع المملكة الاستراتيجية في أرامكو شرقاً أو في ينبع غرباً على البحر الأحمر.
ونجاح تلك الضربات كان دليلاً على ذلك العجز، وخصوصاً أننا نتكلم عن مدى أقصى للباتريوت لا يتجاوز 150 كلم، ويبقى بعيداً جداً عن قطاع عمل القدرات اليمنية النوعية التي تستهدف عمق المملكة وفي الاتجاهات كافة.
إذاً، من الناحية العسكرية، كان انتشار الباتريوت الأميركي غير ذي قيمة للدفاع عن أغلب نقاط المملكة الاستراتيجية، استناداً إلى نجاح الضربات اليمنية، وأيضاً استناداً إلى بقعة انتشار تلك المنظومات غير المجدية عسكرياً، إنما، وكما يمكن استنتاجه، يبدو أن هدف نشر تلك المنظومات في منطقة الخرج جنب شرق الرياض، كان فقط لحماية نقاط معينة داخل عاصمة المملكة، تتعلق ربما بقصور أميرية أو بالسفارة الأميركية، حيث المدى الفعال لتلك الصواريخ.
من جهة أخرى، يبقى الأميركيون، وانطلاقاً من قواعدهم المنتشرة في مناطق الخليج كافة، بحراً وبراً، قادرين عبر أسلحتهم الاستراتيجية، من قاذفات “بي 52” أو منظومات “ثاد” المتطورة المضادة للصواريخ والطائرات، أو من خلال قاذفاتهم التكتيكية المتميزة “أف 35” أو “أف 22″، على تأمين الحماية الفعالة لأي بقعة أو نقطة أو مركز، وذلك في كامل قطاع انتشارهم الواسع في الشرق الأوسط.
من هنا، من المنطقي أن نذهب نحو بُعد آخر في طرح الأميركيين لسحب الباتريوت، يتجاوز حماية نقاط استراتيجية في المملكة، ولا يمكن، من الناحية المنطقية، أن يكون الموضوع مرتبطاً بالخلاف النفطي الأميركي مع السعودية، فكيف يمكن تصديق أن السعودية يمكنها أن تعاكس واشنطن في أي موضوع؟ وخصوصاً أن الخلاف “الظاهر” حول طلب واشنطن رفع الأسعار هو عملياً غير بعيد عن مصلحة السعودية، لأن الفارق الذي تحققه السعودية من زيادة الإنتاج يمكنها تعويضه من فارق ارتفاع سعر البرميل.
في كل الأحوال، فإن الموضوع في الحقيقة يحمل عدة أهداف، لا يمكن استبعاد أحدها أو أكثر من هذه الأهداف، وهي:
الاحتمال الأول يمكن أن يكون عبارة عن لعبة خفية أميركية سعودية تستهدف روسيا، من خلال ضرب اقتصادها، عبر خفض أسعار النفط، كمصدر أساسي للمالية الروسية، الأمر الذي يمكن أن تتحمله السعودية أو سيكون عليها أن تتحمله تبعاً للضغوط والارتهان للأميركيين. وجاءت قصة سحب الباتريوت لإكمال السيناريو المُرَكّب.
الاحتمال الثاني يمكن أن يكون عبارة عن إيجاد مخرج للسعودية لإنهاء عدوانها على اليمن، وذلك إذا عدنا إلى تصريح بريان هوك، مسؤول ملف إيران، بأن هناك تحولاً في وضع القوة في المنطقة، ناتجاً من انخفاض مستوى التهديد الإيراني، وبالتالي لم يعد الأمر يستدعي الإبقاء على الصواريخ الأميركية بالشكل السابق، مضافاً (تصريح بريان هوك) على الادعاء السعودي الذي كان مضمونه دائماً معناه أن “إيران هي من تقود فعلياً المواجهة ضدها في اليمن، بحيث إنها تتعرض لصواريخ وطيران مسير إيراني، وليس يمنياً”، وبذلك تعتبر أنها، وبعد الإعلان الأميركي عن انخفاض مستوى التهديد الإيراني، والمسبب لسحب الباتريوت، أصبحت الآن جاهزة لإنهاء حربها في اليمن.
أخيراً، يبقى الاحتمال الأقرب إلى الواقع، والذي لا ينفي أو يلغي الاحتمالات المذكورة أعلاه، ويمكن أن يترافق مع أحدها أيضاً، متعلقاً بتحضير عقود لشراء السعودية منظومة “ثاد” الأميركية الصاروخية المتطورة الباهظة الثمن، الأمر الذي يتماشى مع المسار التاريخي للعلاقة الأميركية مع السعودية، والتي كانت تقوم دائماً على شراء الأسلحة الأميركية بشكل ثابت ومتواصل ودوري، وبهدف مالي بحت، من دون أية حاجة أو جدوى عسكرية أمنية تتعلق بحماية المملكة.
الميادين . نت