لماذا قرّر أردوغان حبس مُنافسه الأشرس على رئاسة تركيا “إمام أوغلو” …
خالد الجيوسي

يبدو أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد اختار المُضي قدمًا في إقصاء مُنافسه رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، حيث صدر حكم محكمة الصلح بحبس إمام أوغلو، بتهمة الفساد ضمن قضية شركة “ميديا”، بينما قضت بإخلاء سبيله في قضية “المصالحة بالمدينة” التي كان يُحاكم ضمنها بتُهمة الإرهاب.
وقضت محكمة الصلح الجزائية في تركيا بسجن رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو لحين مُثوله أمام المحاكمة بتهم الإرهاب والفساد، في حين يواصل آلاف الأشخاص التظاهر في جميع أنحاء تركيا احتجاجًا على احتجاز وصفوه بـ”غير الديمقراطي” لأكبر زعماء المُعارضة.
التساؤل المطروح حول ما إذا كان يستطيع أردوغان مُواجهة تداعيات قراره هذا، مع تواصل التظاهرات الشعبية الغاضبة ضد اعتقال إمام أوغلو، والأهم التداعيات الاقتصادية على تركيا.
ويبدو أن المعارضة التركية ستعتمد في معركتها ضد اعتقال إمام أوغلو على احتجاجات الشارع الغاضبة، إضافة إلى تخريجات القانون، حيث أفادت وكالة “فرانس برس”، اليوم الأحد، بأن محامو رئيس بلدية إسطنبول سيستأنفون القرار الذي صدر بسجنه بتُهمة “الفساد”.
وعقد بالفعل البنك المركزي التركي اجتماعًا طارئًا الأحد مع مدراء البنوك، تزامنًا مع صدور حكم قضائي بحبس إمام أوغلو، بتهمة الفساد، وسط تقارير عن تحفّظ إعلامي حول ما يخرج عن الاجتماع.
البنك التركي المركزي اضطر لبيع أكثر من 10 مليارات دولار للسيطرة على سعر صرف الليرة، بعد أن تجاوز الدولار 40 ليرة.
وعقب اعتقال أمام أوغلو تراجعت الليرة بنحو 11 في المئة لتسجل أدنى مستوياتها على الإطلاق أمام الدولار واليورو وسجلت بورصة إسطنبول خسائر تجاوزت 7 في المئة.
من مكان اعتقاله غرّد إمام أوغلو عبر منصّة “إكس” داعيًا الشعب التركي لأن لا يحزن وأن لا يفقد الأمل، وقال “سنزيل هذا الهجوم على ديمقراطيتنا… سيحاسب الذين يديرون هذه العملية، سواء في هذه الدنيا أو في الآخرة أمام خالقنا العظيم”.
ودعا رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، اليوم الأحد، المواطنين إلى تنظيم مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء البلاد احتجاجًا على احتجازه على ذمة المحاكمة في إطار تحقيق يتعلّق باتهامات فساد.
وفيما لم يستطع الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” الفوز بانتخابات البلدية الأخيرة، وقبلها مرّتين والتي توّجت أكرم إمام أوغلو رئيسًا لإسطنبول (16 مليون سكان إسطنبول)، يبدو أن ذلك حدث بفعل اعتقاله لإبعاده، حيث ستخضع بلدية إسطنبول للوصاية بموجب القانون.
وأعلنت بالفعل وزارة الداخلية التركية عن إبعاد رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو عن مهامه، إلى جانب كل من رئيس بلدية بيليك دوزو ورئيس بلدية شيشلي، وذلك ضمن إطار التحقيقات الجارية بحقهم.
وتنص المادة 45 من قانون البلدية فيما يتعلّق بقرار الوصاية على أنه في حال حبس عمدة البلدية أو نائبه أو عضو بالمجلس من منصبه بسبب تهم الإرهاب أو مساعدة تنظيمات إرهابية وإيوائها، فإنه يمكن لوزير الداخلية في المدن الكبرى والمحافظ بالبلدات الأخرى تعيين عمدة للبلدية أو نائبه أو أعضاء مجلس البلدية وأنه لا يشترط في الشخص المعيين سوى التمتّع بحق الانتخاب.
وفي إشارة إلى نوايا مُبيّتة لاعتقال إمام أوغلو، ومعرفة حكم القضاء قبل صُدوره، قال رئيس فرع حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، أوزغور تشيليك: “لدينا أصدقاء في سجن سيليفري. قالوا لنا؛ أخبروا أصدقائنا أن هناك حركة غير عادية هنا. هناك أعمال تجديد مستمرة منذ 10 أيام، ويتم تجهيز عنابر جديدة”.
ووفقًا للتقارير، نُقل رئيس بلدية إسطنبول “أكرم إمام أوغلو” إلى سجن سيليفري بعد قرار المحكمة بسجنه في تحقيقات قضايا تتعلّق بالفساد في البلدية.
وأظهر بث مباشر لوكالة “رويترز” وصول إمام أوغلو الذي إلى سجن مرمرة المعروف في تركيا بـ”سجن سيليفري” قرب منطقة سيليفري بإسطنبول.
وسجن سيليفري شديد الحراسة، وهو أحد أكبر مجمعات السجون في تركيا، ويضم عددًا من الشخصيات السياسية والمدنية التي واجهت اتهامات مختلفة خلال السنوات الماضية، وجاء ضمن تصنيف أضخم 7 سجون مكتظة عالميًّا، حيث أن به ضعف طاقته الاستيعابية.
وأوضح تقرير لموقع Insider الإخباري أن الطاقة الاستيعابية للسجن المذكور تبلغ 11 ألف شخص، لكن السجن حاليًّا يضم نحو 22 ألف سجين نسبة كبيرة منهم تم اعتقالهم عقب المُحاولة الانقلابية.
ويبدو أن اختيار السجن المذكور، وسُمعته السيّئة لحبس إمام أوغلو مُتعمّد ومدروس، ولأغراض سياسية تُنهي مُستقبله السياسي تمامًا.
وتتواصل الاحتجاجات في إسطنبول، فيما تُغلق السلطات الطرق المؤدية إلى ميدان تقسيم الشهير وسط إجراءات أمنية مشددة واشتباكات مع المتظاهرين، ويُحاول المُتظاهرون الوصول لميدان تقسيم، وتمنع الشرطة ذلك.
وبحسب صحيفة “زمان” التركية، أفاد مُستخدمون أن حسابات المسؤولين في المعارضة جرى تعليقها، فيما لا يزال يُمكن الوصول إليها من الخارج، يقول الخبراء إن هذا يدل على أن منصّة إكس تستجيب لطلبات إزالة المحتوى من الحكومة التركية على المستوى المحلي.
وتوجّه أعضاء حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا وآخرون، إلى مراكز الاقتراع، اليوم الأحد، للمشاركة في تصويت تمهيدي للحزب لدعم ترشيح رئيس بلدية إسطنبول المحتجز أكرم إمام أوغلو، في الانتخابات الرئاسية المُقبلة.
تركيا أمام مُنعطف حاد، وستكون المُعارضة أمام تحدّي القُدرة على الاستمرار في حشد الشارع ضد اعتقال إمام أوغلو، وحتى بقائهم فيه مع العمل كما أعلنت المعارضة على توزع البطانيّات والحساء الساخن على المُتظاهرين وذلك للاستثمار في غضبهم، والانقلاب على الحزب الحاكم سواءً من قلب الشارع، أو من خلال صناديق الاقتراع، أمّا أردوغان، فتكمن المخاوف في قُدرته على استيعاب الزلزال الاقتصادي قبل أن يتحوّل إلى سياسي، ويقول علي باباجان رئيس حزب الديمقراطية والتقدم في ذلك السياق: “ألقى أردوغان قنبلة دخانية لدرجة أن لا أحد يستطيع رؤية ما أمامه، هذا الغموض يُبطئ الاقتصاد، والثمن يدفعه العاطلون عن العمل، والمتقاعدون، وأصحاب الحد الأدنى للأجور، والأكثر تضرّرًا هُم الشباب”.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية