تحليلات سياسيةسلايد

لماذا كانت سعادتنا كبيرةً بمُتابعة الاحتفالات اللبنانيّة بوصول النفط الإيراني؟

تابعنا مِثل الملايين غيرنا أسطول شاحنات الصهاريج المُحمّلة  النفط الإيراني وهي تَعبُر الحُدود السوريّة إلى منطقة البقاع حيث ستُفَرِّغ حُمولتها في مخازن لشركة تابعة لحزب الله اللبناني تمهيدًا لتوزيع حصّة كبيرة منها مجّانًا على المُستشفيات الحُكوميّة ودُور العجزة والأيتام، وما يفيض منها سيُباع للمُستشفيات الخاصّة والأفران بأسعارٍ مُنخفضة أقل من سِعر التّكلفة، ودُون أيّ تمييز طائفي أو عِرقي.

رُغم أنّ السيّد حسن نصر الله طالب أنصاره بعدم الاحتِفال، لعدم إحراج الطّرف الآخَر المهزوم واستِفزازه، إلا أنّ الفرحة كانت طاغية في أوساط مجموعات صغيرة من السيّدات والمُواطنين البُسطاء تجمّعوا على جانبيّ الطّريق، وكان بعضهنّ “يزغردن” ويرمين سائقي الشّاحنات بالورود والرّياحين احتِفالًا بهذا النّصر المعنويّ والسياسيّ الكبير.

مشاعر هذا الفرح مشروعة، ولا يُمكن أن يفهمها إلا من عاش في ظلامٍ دامسٍ لأكثر من ستّة أشهر بسبب توقّف مُولّدات الكهرباء العامّة والخاصّة لانقِطاع المازوت، أو جاع ولم يَجِد الدّواء والخُبز لأطفاله لتوقّف أفران المخابز، أو وقَفَ لساعاتٍ في طوابير الانتِظار أمام محطّات الوقود للحُصول على بضعة ليترات من البنزين لسيّارته.

كثيرون من الذين يقفون في الخندق الأمريكي شكّكوا في وصول النّاقلة التي حملت الوقود إلى ميناء بانياس السوري، وراهنوا على ضرب أمريكا وحليفتها إسرائيل لها في عرض البحر، أو في الميناء السوري المُضيف، أو حتى قصف الصهاريج التي نقلت حُمولتها إلى البقاع اللبناني، ويُتابعون بحُرقَةٍ ليلًا نهارًا، أنباء هذه الضّربات، ولكن خابت آمالهم، وجميع هذه الرّهانات سقطت، وجرى كسر ثلاثة حِصارات أمريكيّة دُفعةً واحدة، للنّفط الإيراني، وللموانئ السوريّة، وللشعب اللبناني، وبدأ قانون “قيصر” سيء الذّكر يَلفُظ أنفاسه الأخيرة.

“حزب الله” الذي جاء هذا الحِصار الأمريكي على لبنان لإضعافه، ونزع سِلاحه، وتحريض اللبنانيين، أو ومُعظمهم، للثّورة ضدّه، وتفجير حرب أهليّة تستنزفه وقاعدته لعُقود، خرج الرّابح الأكبر، يليه حاضنته الإيرانيّة، والحليف السوري الشّجاع الذي لم يتردّد في فتح موانئه لتخفيف مُعاناة الشعب اللبناني الشّقيق رُغم أنّه أولى بهذه المحروقات بسبب الأزمة التي يعيشها تحت الحِصار، وقدّم لبنان على نفسه الأمر الذي يُؤكِّد أمرين أساسيين:

الأوّل: وجود قيادة مُقاومة قادرة على اتّخاذ قرار التحدّي مُمَثَّلةً في السيّد نصر الله تملك قُدرة وروح قتاليّة عالية، وتحمل كُل ما يترتّب عليه من تبعات، جنبًا ألى جنب مع قُدرة إداريّة عصريّة لترتيب الإجراءات اللوجستيّة اللّازمة، سواءً تلك المُتعلّقة بتوفير الشّاحنات، أو إمكانيّات التّخزين والتّوزيع.

الثاني: سُوء تقدير الإدارة الأمريكيّة للوضع وقُدرات الطّرف الآخر، وحجم مُعاناة الشعب اللبناني، وردود فعله الغاضبة، واتّخاذ القرارات الخاطئة، والمُتأخِّرة، لتخفيف هذه المُعاناة، ممّا يَنسِف كُلّ الادّعاءات الكاذبة التي كانت تُرَدِّدها هذه الإدارة دائمًا من أنها لا تهدف من عُقوباتها إيذاء الشّعوب بل الأنظمة الحاكمة.

الحِصار الأمريكي الظّالم الفاجِر المدعوم ببعض القوى السياسيّة اللبنانيّة الداخليّة للأسف سقط بعُبورٍ أوّل شاحنة الحُدود اللبنانيّة السوريّة مُحَمَّلةً بالمازوت، وفقدت الإدارة التي فرضته هَيبتها وسُمعتها، ومُنيت بهَزيمةٍ سياسيّةٍ وإنسانيّةٍ كُبرى.

عدم التصدّي لسُفُن المازوت، ومنع وصولها إلى الشعب اللبناني الجائع المُحاصَر، سواءً من قِبَل أمريكا وأساطيلها، أو إسرائيل وطائراتها التي لا تتوقّف عن خرق الأجواء اللبنانيّة وقصف أهداف في العُمُق السوري بمُعَدَّل مرّة أو مرّتين في الأُسبوع، يُؤرِّخ لمرحلةِ ردعٍ جديدة مُختلفة، عُنوانها الأبرز انتِصار محور المُقاومة في “حرب السّفن”.

أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي الذي هدَّد بانتِقامٍ جماعيّ ردًّا على الهُجوم على السّفينة الإسرائيليّة في خليج عُمان قبل شهرين بالطّائرات المُسيّرة الانتحاريّة المُلغّمة بلَع لسانه، لم تَجرُؤ حُكومته على تنفيذ تهديداتها هذه، والأكثر من ذلك أنها لم تَجرُؤ على تنفيذ تهديداتها الأحدث بمنع وصول المحروقات الإيرانيّة وسُفنها لطمأنة طابور طويل أنصارها، الذين ما زالوا يَثِقون بمَظلّة الحماية الأمريكيّة، ويأملون بعُقوباتٍ أمريكيّة على بلدهم لاستِقباله الوقود الإيراني المُحَرَّم، وهذا رِهانٌ ساقِطٌ مِثل كُلّ الرّهانات السّابقة، ولو افترضنا أنّ الإدارة الأمريكيّة ستُقدِم عليه، أيّ العُقوبات، فإنّها سترتكب “أُمّ الأخطاء” وستُحَوِّل مُعظم الشعب اللبناني، إن لم يَكُن كلّه، إلى شعبٍ مُقاوم يترفّع عن كُلّ الاعتِبارات الطائفيّة ويَقِف في خندق المُقاومة، وهُناك أمثلة عديدة في هذا المِضمار.

تتوالى الهزائم على أمريكا، بعد هزيمتها الكُبرى في افغانستان، وانهِيار آمالها في التّوصّل إلى اتّفاقٍ نوويّ مع إيران، وقبل هذا وذلك انهِيار عسكريّ لحليفتها إسرائيل في حرب غزّة الأخيرة، وجاءت رابعة الأثافي في هزيمة منع وصول ناقلة المازوت الإيرانيّة وإفراغ نفطها “الحلال” في ميناء بانياس السوري بكُلّ أمانٍ ودلال.

أمريكا احترقت أصابعها وأرجلها في منطقة الشرق الأوسط، وفشلت جميع خططها ومشاريعها ولم يَعُد أمامها إلا البحث عن رحيلٍ آمِن يُقَلِّص حجم خسائرها.. وبِما يُجَنِّبها كارثة مطار كابول أُخرى.. والأيّام بيننا.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى