لماذا لا تُعلَن في مصر الديكتاتورية العسكرية؟ (وائل عبد الفتاح)


وائل عبد الفتاح

ـــ 1 ـــ

السيسي لن يحكم. أعلنها عبر توجيهات بتوقيف حملة «كمّل جميلك» لإجباره على الترشح إلى الرئاسة. وقالها بتعبيرات مختلفة في مناسبات عدة. لكن هذا لم يوقف الهواجس، كما لن توقفها تحليلات عن ذكاء قائد الجيش الذي يبعده عن الترشح، على الأقل في الانتخابات المقبلة.
الخائف ينتظر خروج ديكتاتور من تركيبة «30 يونيو». وإذا لم يكن جنرالاً فإنه سيكون واجهته أو دميته في القصر.
الخوف موجود في سجالات مصر السياسية والاجتماعية، من حكم العسكر ـــ أي ديكتاتورية عسكرية مباشرة ــ ومن عودة نظام مبارك كاملاً (الدولة الأمنية + عصابة جامعي الثروات + توزيع الأنصبة + القهر بالبيروقراطية).
لكن الخوف عند البعض أمنية لهؤلاء الذين يرون في يناير «نكسة» أتت بـ«الإخوان» ـــ وحكم الجماعة ـــ وخروج الإرهاب من الكهوف.
المخاوف حاكمة ومسيطرة على سجالات السياسة، وحركة ترميم الدولة بعد سنة «الإخوان» المريرة.
ولا شيء من فراغ.. فالأشباح حاضرة ولا تخشى الإعلان عن ذاتها من خلال ممارسات تذكر بالماضي القريب (زوار الفجر، عودة ضباط أمن الدولة، أغاني تقديس الجيش وقائده، جمهور يبحث عن الأب).
لكن لماذا لا يعلن السيسي جمهورية الأب الجديدة… وينتهي الأمر؟

ـــ 2 ـــ

لم يعد للحواة موقعهم الفاتن. والبضاعة القديمة فقدت فعاليتها، من بقايا نظام مبارك وورثته من الطيور الجارحة التي تريد الدولة غنيمة كلها، إلى «الإخوان» ومظلوميتهم التي تريد تسميم الكعكة بعد ضياعها.
السبب الرئيسي في الشعور بالأزمة هو عدم قدرة الاطراف التي تملك السحر القديم على الحسم. «الإخوان» خرجوا بمشروعهم في «الحكم الاسلامي» من حساب الحسم. كما أن خطط القوى الدولية – (العالم – الغرب – أميركا) للمنطقة كلها وليس لمصر وحدها لم تعد فاعلة بقوة الماضي ذاتها. وأخيراً فإن القوى التقليدية بما تتصور أنه انتصار لها في «30 يونيو» هي الأخرى ليست قادرة على إعلان انتصارها، أو حسم الاختيارات لمصلحتها.
هناك إذن حراك ثوري، نتائجه أبطأ من فوران الهواجس (خاصة عند القطاعات الجديدة على السياسة، أو التي تحركها العواطف الثورية).
لكنّ للبطء سبباً آخر هو ركود البيئة السياسية في مصر لسنوات طويلة، وتعثر فعاليات بناء (قوة المجتمع)، وهذا ما يعطل بالطبع علاج الثورة من ضعفها.
هل تعود الجمهورية القديمة فجأة؟
هل ينفي السيسي رغبته في الحكم ليحقق حلمه في أن «يتحكّم»؟

ـــ 3 ـــ

الجيش سؤال لم يُحسَم بعد.
في أعراف المتطرفين، الدولة المصرية منذ 200 سنة هي هبة الجيش – ليس مرة واحدة بل مرتين – الأولى مع محمد علي، والثانية مع عبد الناصر.. وفي مقابل الشكل المدني لدولة التحرر الوطني «ظهرت دولة الجنرالات غير المرئية، أو العسكرة غير المقننة. وحتى بعد اهتزاز أسطورة الجيش بسبب فشل أداء المجلس العسكري في المرحلة الانتقالية الأولى، لم تهتز معها نسبة «العسكرة»، بل إن ما منحه «الإخوان» في دستورهم الملعون للمؤسسة العسكرية، أكبر مما كان في دستور 1971، وخاصة تلك المواد التي قننت محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، كما أن حصة الـ40 في المئة من الاقتصاد المصري، والتي اعتبرها الجيش توازناً لمصلحة القطاع العام أو لأملاك الدولة في مواجهة «الخصخصة»، لم يتم الاقتراب منها أو مناقشتها حتى في ظل محاولة «تفكيك» «الجماعة» للجيش، فالغرض لم يكن تحريك الدولة بعيداً عن: السلطوية والوصاية – جناحَي أو ثقلَي الدولة الجاثم على الصدور – ولكن في احتلال الفراغ الذي تركته ديكتاتوريات التحرر الوطني (بنبلها وفسادها).
الأزمة الآن ليست في عودة الدولة القديمة، او حسم الجيش الأمور لمصلحته، ولكن في أن الحراك الثوري مثقل الآن بحضور قوة ليست قادرة على الحسم، وهذا ما يزيد ضعف الثورة إن هي ارتضت بموقف الحكم الأخلاقي ولم تنتقل إلى تأسيس البنية التحتية للديموقراطية، أو إذا لم تتورّط أكثر في السياسة.
بمعنى آخر أن لا أحد قادراً على الحسم، بداية من المؤسسة العسكرية، والدولة الأمنية، وحتى ورثة مبارك، وبما في ذلك السلفيون: ورثة «الإخوان» في التشويش بالحرب الهوياتية.
وإن الحراك لن يتم عبر السجال الأخلاقي – العاطفي حيث تفور الهواجس – المهمة أحياناً في تحجيم الطيور الجارحة، ولكن عبر تأسيس البنية التحتية للنظام الديموقراطي، كي تتقدم الدولة خطوة يمكن بعدها مناقشة سؤال الجيش وأسئلة أخرى على شاكلته من التعقيد.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى