لماذا لا يفاجئنا عزل ترامب لوزير دفاعه مارك اسبر بل تعيين خليفه كريستوفر ميللر احد المتهمين باغتيال سليماني والمهندس وتفجير مرفأ بيروت؟
الخطوة المثيرة للقلق التي اقدم عليها دونالد ترامب ليست في اقالته لوزير دفاعه مارك اسبر بتغريدة على “التويتر”، وبصورة فجائية فحسب، وانما تعيينه كريستوفر ميللر رئيس المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في مجلس الامن القومي مكانه فورا، فالخلافات بينه وبين اسبر قديمة، وتعود الى الصيف الماضي عندما رفض الأخير انزال الجيش الى الشوارع لقمع المظاهرات في مينابوليس احتجاجا على خنق الشاب الأسود جورج فلويد، ومن غير المستبعد ان “يطرد” كل من جينا هاسبل، رئيسة جهاز المخابرات المركزية (سي أي ايه)، وكريستوفر وايلي، رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي انتقاما، لانهما لم يتجاوبا مع طلبه بفضح وثائق تدين ما اسماه بخطة “الدولة العميقة” لإسقاطه في الانتخابات الرئاسية، وتأسيس قيادة من العنصريين المتشددين مكانهم لتنفيذ خططه الانتقامية “الجهنمية” في الأيام والاسابيع المقبلة.
خطوة تعيين كريستوفر ميللر تكمن في كونه كان يطبق مخططات ترامب دون تردد في ايران والعراق وسورية، ويتبنى سياسات متشددة ضد دول هذا المحور، ويُعتقد انه لعب دورا رئيسيا في اغتيال اللواء قاسم سليماني، رئيس فليق القدس في الحرس الثوري، وزميله أبو مهدي المهندس، ابرز قادة الحشد الشعبي العراقي، وربما جريمة تفجير مرفأ بيروت الإرهابية.
***
مسؤولون في البنتاغون يتحدثون هذه الأيام مثلما قالت صحيفة “نيويورك تايمز” عن وجود خطة لدى ترامب لشن عمليات عسكرية، علنية او سرية، ضد ايران و”حزب الله” في الاسابيع الستة القادمة وقبل نهاية ولايته، لنشر الفوضى في أمريكا والعالم، وعرقلة مراسم تسلم خصمه جو بادين للسلطة، والانتقال الى البيت الأبيض وممارسة سلطاته كرئيس.
رفض الزعيمين الصيني تشي جينبنغ والروس فلاديمير بوتين الاعتراف رسميا بفوز بايدن وهزيمة ترامب في الانتخابات الأخيرة، وعدم ارسال برقيات تهنئة للفائز بحجة انتظار اعلان نتائج الانتخابات رسميا وانتهاء عملية فرز الأصوات، يوحي بوجود معلومات دقيقة لديهما تفيد، بل تؤكد، وجود خطط “عنيفة” لدى ترامب لإشعال فتيل الحرب، وخاصة ضد ايران، وتغيير كل المعادلات الداخلية، ومنع الانتقال السلمي للسلطة بالتالي.
ترامب الذي يرفض القبول بالهزيمة، ويصر على انه الفائز، ويقول ان هناك من يحاول سرقة النصر في الانتخابات منه، ما زال يتمتع بالصلاحيات الكاملة كرئيس جمهوري حتى اليوم الأخير من حكمه، أي 20 كانون الثاني (يناير) المقبل، ولا يستطيع ان يرى خصمه بايدن يعود للاتفاق النووي ويرفع جميع العقوبات بالتالي عن ايران، ويشاركه الموقف نفسه بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل.
هناك احتمالات كثيرة يمكن ان يقدم عليها ترامب، بعد اكمال خطة تعيينه لرجاله في المناصب الرئيسية، العسكرية والأمنية، وطرده لكل من يعارض مخططاته السرية في نشر الفوضى والعنف في الداخل الأمريكي والعمق العالمي، وتشكيل “دولة ظل” خاصة به وانصاره، ابرزها ان يوجه طائراته وصواريخه لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وقواعد “حزب الله” في جنوب لبنان، ولعل فرضه عقوبات اقتصادية على جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، قبل بضعة أيام بسبب تحالفه مع السيد حسن نصر الله، ورفضه المشاريع الامريكية في لبنان، والمنطقة، احد المؤشرات التي تؤكد بعض الاحتمالات المذكورة آنفا.
هذه النزعة العدوانية الثأرية المسيطرة على ترامب والمتفاقمة مع اقتراب نهايته في السلطة، تجعلنا لا نستبعد ان يكون كريستوفر ميللر وزير الدفاع الجديد بالنيابة هو “مهندس” تفجير ميناء بيروت، ومحاولة الصاق التهمة بـ”حزب الله”، بالتعاون مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والا لماذا لم نسمع كلمة واحدة عن نتائج التحقيقات في هذا الانفجار الذي دمر نصف بيروت قبل اكثر من ثلاثة اشهر رغم مشاركة عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي فيها، منذ الساعات الأولى.
***
الهجوم على ايران، او على “حزب الله” اذا اطلق شرارته الرئيس ترامب، الذي يتصرف حاليا مثل النمر الجريح يضرب في كل الاتجاهات داخليا، وربما خارجيا لاحقا، لن يكون بلا رد، وستكون القواعد الامريكية في الخليج، والقاعدة الاخرى الأكبر في فلسطين المحتلة هدفا انتقاميا مشروعا في اطار سياسة الدفاع عن النفس، فلن تكون هناك حرب بعد هذه الحرب، وما معنى وجود ترسانة الصواريخ الضخمة اذا لم تستخدم في هذه الحالة؟
ترامب قد يتصرف مثل نيرون الذي احرق روما، ويقدم على هدم المعبد فوق رأسه والآخرين، وقد لا يقبل وحليفه نتنياهو بالهزيمة والخروج من السلطة بطريقة مذلة فقط، وانما قضاء ما تبقى من عمرهما خلف القضبان مدانين بالفساد.
مرة أخرى نقول ان الأسابيع الستة المتبقية من حكم ترامب ربما تكون الاخطر على أمريكا والعالم.. والله اعلم.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية