لماذا لا يُؤمن الشّباب الإسرائيلي بأنّ كيانهم سيكون موجودًا بعد 25 عامًا؟
لا نُجادِل مُطلقًا بأنّ فوز اليمين الإسرائيلي العُنصري بقِيادة بنيامين نِتنياهو زعيم حزب الليكود، ومُشاركة أحزاب فاشيّة كارهة للعرب وتُريد قتلهم وطردهم، حدثًا مُهِمًّا، ولكنّ الحدث الآخَر الذي لا يَقِلُّ أهميّةً هو الرّوح المعنويّة المُتدنّية للكثير من الشّباب الإسرائيليين بسبب حالة الانهِيار الدّاخلي الذي تعيشها دولة أرض المِيعاد، والصّورة القاتمة لمُستَقبلها.
نحن لا نقول هذا الكلام من واقع التمنّيات مثلما يعتقد البعض الذي ما زال مفتونًا بالقُوّة الإسرائيليّة، خاصَّةً في دول عربيّة مُطبّعة، وإنّما استِنادًا إلى الحقائق على الأرض المدعومة بالوثائق والأبحاث العلميّة.
بالأمس كشف استطلاعٌ للرّأي أجراه ائتِلافٌ الحركات الشبابيّة، ونقلت نتائجه القناة 12 الإسرائيليّة “أنّ ثُلُثْ الشّباب الإسرائيلي لا يعتقدون بأنّ “دولة إسرائيل” ستكون موجودةً بعد 25 عامًا.
والأهم من ذلك أن هذه الشّريحة من الشّباب تُعارض تجنيدها للانخِراط في الجيش الإسرائيلي لأسبابٍ عديدة أبرزها الخوف على أرواحهم، وعدم جدوى القِتال للإبقاء على “دولةٍ” مُرشَّحَةٍ للاختِفاء من الوجود، ويُفَكّر هؤلاء الشّباب بالهِجرة إلى أماكنٍ آمنةٍ في أمريكا وكندا وأوروبا.
استطلاع الرأي هذا يُؤكّد تحذيرات إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق التي لم يستبعد فيها عدم استِمرار إسرائيل في الوجود بعد إكمالها 80 عامًا من عُمرها، والهُجوم الشّرس الذي شنّه إيهود أولمرت أمس على بنيامين نِتنياهو واتّهمه بقِيادة مجموعة من الفاشيين ممّا يُشَكّل خطرًا على استِقرار وبقاء الدّولة اليهوديّة.
اتّفاق أوسلو الذي وفّر الحِماية والاحتِلال الرّخيص ماديًّا وأخلاقيًّا للدّولة العبريّة طِوال الثّلاثين عامًا الماضية انهار عمليًّا ليس على يَدِ السّلطة، والرئيس محمود عبّاس، تطبيقًا لقرارات المجلس المركزيّ بإلغائه، وإنّما على أيدي الشّباب الفِلسطيني المُقاوم بزعامة “عرين الأسود” التي أفشلت كُل عمليّات الاغتِيال في القضاء عليها.
الكثير من الخُبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين باتوا يعتقدون أن المُقاومة المُسلّحة المُتنامية في الضفّة الغربيّة المُحتلّة أخطَرُ من القنبلة النوويّة الإيرانيّة، لأنّها تُزعزِع، بَل وتُدَمِّر، أهم عمودين قامت عليها الدّولة العُنصريّة اليهوديّة، وهُما الأمْن والاستِقرار.
فليَحتفِل الإسرائيليّون بفوز اليمين الفاشي، وتشكيله حُكومةً جديدةً عقيدتها الكراهية للعرب والمُسلمين، وتُؤمِن بأنّ الحلّ الأمثل للوصول إلى دولةٍ يهوديّةٍ نقيّةٍ عُنصريًّا خالية من “الأغراب” هو بقتل العرب أو إخراجهم بالقُوّة منها، فهذا الاحتِفال لن يدوم طويلًا، لأنّ أصحاب الأرض نزلوا إلى ميدان مُقاومة الاحتِلال بقُوّة، وبالوسائل كافّة، ولن يتوقّفوا إلا بتحقيق جميع أهدافهم الوطنيّة المشروعة، فقد استوعبوا جميع دُروس الخُنوع السّابقة، ومخاطر، بل وكوارث الرّهان على المُفاوضات والسّلام المسموم، والثّقة بالوِساطة الأمريكيّة والغربيّة.
لن يجرؤ نِتنياهو على إلغاء أو تجميد اتّفاق ترسيم الحُدود البحريّة مع لبنان، مثلما هدّد وتوعّد، لأنّه يعرف جيّدًا أن هُناك الملايين في لبنان والعالمين العربيّ والإسلاميّ يتمنّون أن يُنَفّذ تهديداته هذه، ويُواجِه الصّواريخ والمُسيّرات التي ستقصف جميع منصّات الغاز الإسرائيليّة على طُول السّاحل الفِلسطيني المُحتَل من النّاقورة في الشّمال وحتّى مدينة رفح جنوب قِطاع غزّة، وربّما ما هو أكبَر وأعمَق من ذلك.
اليوم يعتقد ثُلُثْ الشّباب الإسرائيلي أن دولتهم لن تكون مُتواجدة بعد 25 عامًا، ونجزم أنه لو تمّ اجراء هذا الاستطلاع نفسه بعد عامين أو ثلاثة سيرتفع الرّقم إلى الثّلثين إن لم يكن أكثر، في ظِل عودة المُقاومة الفِلسطينيّة المُسلّحة، وعقيدة شبابها النضاليّة، وعُنوانها الأبرز عدم الخوف من الموت من أجلِ الوصول إلى الحُريّة والتّحرير ومُستقبل مُشرّف خالٍ من هوانِ الاحتِلال وإذلالاته.
الشّباب الإسرائيلي يُهاجِر ويرفض التّجنيد لأنّه يُدرك أن لا مُستقبل لدولته، بينما الشّباب الفِلسطيني يتشبّث بالأرض ويُقاتل لأنّه مُؤمنٌ بأنّ المُستقبل له وعلى أرضِه، وهذا فارقٌ كبيرٌ جدًّا في رأينا.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية