لماذا لم يتمكّن الجيش السوري من حسم معركة حلب حتى اليوم؟ (ناجي س. البستاني)

 

ناجي س. البستاني

 

صحيح أنّ العدوان الإسرائيلي على غزّة غطّى على الأحداث السوريّة، لكن الأصحّ أنّ المعارك هناك مستمرّة بعنف في أكثر من مكان، وأعداد الضحايا في تزايد مستمر يفوق بحجمه ضحايا الغارات الإسرائيليّة، وكان لافتاً فشل الجيش السوري النظامي في فرض سيطرته على كامل مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية، على الرغم من تنفيذه سلسلة هجمات برّية مدعومة بالدبابات، وبقصف صاروخي عنيف شاركت فيه طائرات "ميغ" وطوّافات عسكرية، وذلك منذ 20 تموز الماضي، أي منذ نحو أربعة أشهر. ولم ينجح الجيش السوري الذي حشد ما بين 25 إلى 30 ألف عسكري، لا سيّما من وحدات الفرقتين الخامسة والسادسة اللتين تتميّزان بتدريبهما العالي وبتجهيزاتهما الحديثة، في كسر شوكة المعارضة في حلب. ولم نعد نسمع أنّ مصير معركة حلب يحدّد مصير الأزمة في سوريا، فما هي الأسباب التي أدّت إلى عدم حسم معركة حلب حتى اليوم؟
 أولاً: نجاح المعارضة في إبقاء طريق الإمداد العسكري بالعديد والعتاد إلى حلب مفتوحاً، نتيجة سيطرة ميليشيات معارضة مختلفة على مساحات واسعة في الشمال السوري، وهذا الأمر سمح بتدفّق الدعم اللوجستي من جنوب تركيا إلى الحدود السورية، ومنها إلى مدينة حلب على بعد نحو 50 كيلومتراً، وبالتالي لا قدرة للجيش السوري على وقف هذا الدعم نتيجة إتساع رقعة سيطرة المعارضة في الشمال السوري، على كل من أعزاز وجريتان وعندان وغيرها، ولم ينفع قيام الجيش السوري باستخدام سلاح الجوّ لضرب الإمدادات، إلا جزئياً، كونها تتمّ بشكل مموّه، عبر سيارات مدنية عادية وسيارات "بيك آب" تنقل ظاهرياً الخضار ومواد غذائية، وليس عبر شاحنات نقل عسكرية مثلاً.
ثانياً: نجاح المعارضة في عرقلة وصول الإمدادات العسكرية للجيش السوري إلى حلب، من خلال السيطرة على عدد من القرى والبلدات التي تقع على الطريق السريع الذي يربط بين دمشق وحلب، ومنها بلدة معرّة النعمان الإستراتيجيّة والتي باتت عبارة عن أكوام من الدمار والخراب، نتيجة القصف الجوّي العنيف. كذلك نجحت المعارضة في السيطرة بالنيران وبالقنص على طرقات أخرى ثانوية يمكن إستخدامها للوصول إلى حلب، وأبقت الوضع في مدينة إدلب والبلدات الواقعة في ريف محافظة إدلب، متأرجحاً في ظلّ عمليّات كرّ وفرّ متبادلة. وتجهد المعارضة للإحتفاظ بكل من سراقب الواقعة إلى الجنوب الشرقي من إدلب، وعلى "خان شيخون"، وكلاهما يمثّل طرقاً محتملة لوصول الإمدادات من العاصمة السورية والضواحي إلى حلب.
ثالثاً: حالت المعارك المتجدّدة في أكثر من منطقة ومدينة وبلدة سورية، خاصة في ريف دمشق، وفي المناطق الحدودية، دون التمكّن من سحب وحدات قتالية سورية من مواقعها، لإرسالها إلى حلب، علماً أنّ المسألة ليست سهلة على الإطلاق، نتيجة بُعد المسافة التي تقدّر بمئات الكيلومترات. وبالتالي إنّ نقل أفواج مقاتلة من مكان إلى آخر يتطلّب أيّاماً عدة، في ظل ظروف حركة مليئة بالمخاطر. ولأنّ المعارضة تعمد إلى إستغلال أي فراغ أمني يحصل في أي مكان في سوريا، للتسلّل إلى المنطقة المعنيّة وإلى محاولة إيجاد موطئ قدم لها فيه، تتردّد القيادة السورية في تبديل مواقع الوحدات القتالية من دون تأمين البديل لحفظ الأمن. 
رابعاً: الطبيعة الجغرافية الصعبة في كثير من أحياء حلب، لا سيّما في الأحياء القديمة للمدينة حيث لا يمكن للدبّابات وللمدرعات التقدّم بسهولة، بفعل ضيق الشوارع والكثافة العمرانية. وهذا ما يستوجب التقدّم عبر قوّات المشاة من مبنى إلى مبنى ومن شارع إلى شارع، الأمر الذي لا يصبّ في صالح المهاجمين بل في صالح القوى المدافعة. كما أنّ المعارضة السورية لا تتردّد في إخلاء أي منطقة أو حيّ في حال التعرّض لقصف جوّي عنيف، منعاً لسقوط إصابات كبيرة في صفوفها. ثم تنتظر الفرصة المناسبة للعودة إلى المنطقة التي أخلتها، عبر تنفيذ هجمات برّية مضادة، هي أقرب إلى عمليّات التسلل منه إلى الهجمات المنظّمة. وعلى الرغم من أنّ الجيش السوري نجح في فرض سيطرته على مناطق عدّة في حلب، خاصة في جزئها الغربي، فإنّ جزئها الشرقي هو تحت سيطرة المعارضة، على الرغم من محاولة النظام أخيراً التقدّم نحو حيّ الشيخ خضر. وخطوط التماس متعدّدة داخل المدينة، والأعمال القتالية تتركّز حالياً على ثلاثة محاور رئيسة فيها.
خامساً: التفاوت الطبقي والإجتماعي الكبير في حلب، لم يصب في صالح النظام. فصحيح أنّ كل الفئة البورجوازية، وأغلبية الطبقة المتوسّطة، ومن ضمنها المسيحيّون والأرمن وغيرهم، هي مع النظام السوري، لأسباب مختلفة، منها الحرص على تمايزها الديني وعلى مصالحها الإقتصادية والتجارية، إلا أنّ هذه الفئة لا تمد النظام بأي دعم ميداني يُذكر، وقسم كبير منها غادر إلى مناطق أخرى أكثر أماناً في الداخل السوري، أو حتى سافر خارجها! في المقابل، إنّ شبّان الأحياء الفقيرة في المدينة، والكثير منهم ينتمي إلى التركمان والبدو الرحّل وبعض العشائر العربيّة، إنضمّوا إلى المعارضة المسلّحة. أمّا الأكراد فقد نأوا بأنفسهم عن طرفي النزاع، من دون أن يتردّدوا في مواجهة المعارضة بحزم دفاعاً عن مناطقهم.
في الخلاصة، لا بد من التذكير أنّ مدينة حلب كانت عبر التاريخ محطة إنطلاق أساسيّة لأوّل إنقلاب عسكري في منطقة الشرق الأوسط، والذي نفّذه حسني الزعيم في سوريا في آذار سنة 1949، لتكرّ بعدها سلسلة من الإنقلابات العسكرية في سوريا، لم تنته إلا بوصول الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى الحكم بالقوّة في تشرين الثاني من العام 1970، في ما عُرف بإسم "الحركة التصحيحيّة". فهل تكون حلب اليوم محطة إنطلاق جديدة لتغييرات في القيادة السورية بعد أكثر من أربعة عقود من حكم "آل الأسد" لسوريا، أم أنّ النظام السوري سينجح في تجاوز الأزمة الأصعب والأخطر التي واجهها منذ السبعينات حتى اليوم، على الرغم من الحروب والمعارك المتعدّدة التي خاضها؟!

موقع الالكترونية اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى