لماذا لم يكن “سُقوط العاصمة كابول” دمويّاً …

عادت العاصمة الأفغانيّة كابول، وباقي مُدن أفغانستان لسيطرة حركة طالبان، وبدا أنّ الثقة الأمريكيّة، وكلام الرئيس الأمريكي جو بايدن، حول قوّاته الأفغانيّة المُدرّبة، لم يدم أسابيعاً، فالحركة بعتادها البسيط، وتفكيرها العسكري الأقرب إلى قتال الشوارع، سيطرت على البلاد، وذهبت كل التقديرات الأمريكيّة الاستخباريّة مع الريح، حول سُقوط العاصمة، ونظام الرئيس “الهارب” أشرف غني خلال ستّة أشهر.
كان لافتاً أنّ المنصّات العربيّة والإسلاميّة وفق ما رصدت “رأي اليوم” احتفت بعودة حركة طالبان، ليس حُبّاً من البعض بالحركة الإسلاميّة المُتشدّدة، بل كُرهاً بالولايات المتحدة الأمريكيّة، التي كان أعلن رئيسها الأسبق جورج بوش نهاية حكم حركة طالبان، واحتلاله أفغانستان، لتعود الحركة من باطن الأرض، ويفر كل كما وصفتهم المنصّات بعُملاء أمريكا، ويحكي العالم عن هزيمة الدولة العظمى على الأرض الأفغانيّة، وتُعبّر إسرائيل عن عدم ارتياحها لسيطرة طالبان، وتحالفها الجديد، مع إيران، وروسيا، والصين.
كان المشهد الأكثر تداولاً على المنصّات، هو مشهد جلوس قادة الحركة في القصر الرئاسي، بعد فرار ساكنه، وتلاوة أحد رجال الحركة، آيات من القرآن الكريم، بعد أن أرادت أمريكا مسخ هويّة البلد، وتحويله إلى علماني تابع من حُلفائها، لتأتي الحركة وتُؤكّد أنها ستُعلن إمارتها الإسلاميّة.
يُسجّل للحركة المُتشدّدة خلال استعادة قوّاتها العاصمة، أنها ابتعدت عن لغة التهديد والدم، بل أعطت الأمان لكل من هادنها، وسلّم سلاحه، وكان غرضها فرض الأمن، وسيطرت كما أعلنت على مشاهد الفوضى، والسرقة وحمت المدنيين، بل إن دخولها القصر الرئاسي، كان هادئاً، وخلى من مشاهد التحطيم والتكسير المُعتادة عند سُقوط نظام ما، بل إنها حرصت على استلام القصر الرئاسي من مسؤوله الذي بقى بعد رحيل الرئيس الهارب، وأمام عدسات الكاميرات، دون تعريضه للأذى، وظهر مُرتاحاً، ومُبتسماً.
أشرف غني الرئيس الهارب، والذي حاول قبل أسابيع الثبات خلال استهدافه بصواريخ في صلاة العيد في باحة قصره، مارس الكذب والتضليل كما قال مُعلّقون، حين قال إنه فضّل الرحيل، وعدم القتال، حقناً للدماء، فقوّاته الأفغانيّة أساساً فلّت أو سلّمت سلاحها، وكانت تعمل لأجل لقمة العيش، وروح الانتماء للقتال لأجله كقائد جامع غير موجودة، كما أنّ الأموال التي حملها معه خلال هروبه، وبقاء ما لم يستطع حمله على مدرج الطائرات وفق ما قاله سكرتير البعثة الدبلوماسيّة الروسيّة نيكيتا إيشينكو، أكّد للشعب الأفغاني أن هذا الرجل كان يبقى في السلطة لمصالحه الشخصيّة، التي انتهت بانسحاب حليفته أمريكا.
صحيح أن وسائل الإعلام الغربيّة التي واصلت تصوير الحركة على أنها مُتشدّدة دينيّاً، ونقلت صور بدء الحركة شطب صور النساء من على المحال التجاريّة، لكن الحركة ووفقاً لأدبيّات جديدة حرصت على نقها للعالم، قالت إنها ستحترم حقوق المرأة، وستسمح لها بالعمل والتعليم، على أن ترتدي الحجاب، كما أن العقوبات المُتعلّقة بالإعدام والرجم ستكون بيد المحاكم، هذا كلّه بطبيعة الحال مرهونٌ بالتطبيق الفعلي، لكن الحركة تُريد أن تقول أنها ذاهبة باتجاه دولة مؤسسات بالأكثر، وأن ما كانت تُؤمن به من عشرين عاماً، يبدو أنه تغيّر.
الرئيس بايدن، حاول رمي مسؤوليّة “الهزيمة” على دونالد ترامب، والصفقة التي ورثها عنه، لكنه أيضاً حين جرى سؤاله عن حتميّة سيطرة طالبان على العاصمة، قال بأن الأمر ليس حتمياً، مُباهياً ب300 ألف مُقاتل درّبتها وسلّحتها بلاده، حتى أن صحف غربيّة قالت بأن تلك القوّات “تبخّرت”، وكأنها لم تكن.
سيطرة طالبان، لم تمر مرور الكرام في الصحافة السعوديّة، فما حدث أنزل نقمة كتّابها على بايدن، ومصدر انزعاج صحافة المملكة، كان مُرتبطاً بأمرين، الأوّل أن نهجها الديني الصارم بات انفتاحيّاً، وأن الإسلام السياسي مشروع انتهى أمره، وأن دعمها لطالبان اليوم غير وراد، وصعب، فالحركة لا تزال إسلاميّة، والمملكة التي دعمتها في الأمس وجهادها ضد السوفييت “الشيوعي الكافر” باتت انفتاحيّة ترفيهيّة، الأمر الثاني أن أفغانستان جرى خسارتها لصالح إيران، وروسيا، والصين، ووصفت صحيفة “عكاظ” مثلاً ما جرى بالمهزلة بتنسيق أمريكي، وخذلان بايدن لأفغانستان.
ومع خسارة أمريكا العُظمى على الأرض الأفغانيّة، لن تدوم سيطرة القوّات الأمريكيّة على المطار طويلاً، فالبقاء لأهداف إجلاء الرعايا، والدبلوماسيين، ليبقى السؤال المطروح حول ما إذا كان الرئيس التركي لا يزال يرى بقوّاته قوّاتاً موثوقة، تستطيع تأمين المطار، والسفارة الأمريكيّة، فطالبان لم تنتظر اكتمال الانسحاب الأمريكي حتى يكتمل، وتركيا لا تزال تُعلن أن مهمّتها في تأمين مطار كابول الدولي لا تزال مُستمرّة.
وتضاربت الأنباء حول مكان الرئيس الأفغاني الهارب، ووفقاً لقناة “كابول نيوز”، فإنه وصل إلى عُمان الأحد، مع نفي رسمي من قبل كازاخستان، وطاجيكستان وجوده على أراضيهما أو مروره من أجوائهما، بكل الأحوال الرئيس الهارب أقر بلسانه بانتصار طالبان، انتهى الدرس، إقلب الصفحة، هكذا على الأقل يقول الأمريكيّون في وصف نهاية المشهد، فعلم أفغانستان بعد الاحتلال الأمريكي جرى طيّه وسيعود رايةً إسلاميّة.