تحليلات سياسية

لماذا لم يُفاجِئنا الإفراج عن 16 مُتّهمًا أُتّهموا بالتورّط في “المُؤامرة”

لم نَكُن نَضرِب بالرّمل عندما توقّعنا قبل أسبوع تقريبًا أنّ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني سيُصدِر عفوًا عن المُعتَقلين في ما أُطلِق عليه رسميًّا “المُؤامرة الفِتنة”، لأنّه استخدم في خِطابه المكتوب حولها الآية القرآنيّة الكريمة “والكاظِمين الغيظ.. والعافين عن النّاس”، وعفَا بعدها عن شقيقه الأمير حمزة، الذي لم يُصدِر أمرًا باعتِقاله أو التّحقيق معه أُسوَةً بالآخَرين.

ومِن هُنا فإنّ إعلان النّائب العام الخميس الإفراج عن 16 موقوفًا من المُتّهمين في هذه “الفِتنة” جاء تطبيقًا عمليًّا لهذه النّوايا التّسامحيّة، ولا نَستبعِد أن يشمل العفو في الأيّام المُقبلة عن المُتّهمين الرّئيسيين وهُما الدكتور باسم عوض الله، والشّريف حسن بن زيد، اللّذين ما زالا تحت الاعتِقال، وإغلاق هذا الملف بصُورةٍ نهائيّة.

العميد حازم المجالي النّائب العام لمحكمة أمن الدّولة، قال “إنّ العاهل الأردني، أمر بالافراج عن المُعتقلين من مُنطَلق الحِرص على مصلحة الوطن والمُواطن”، وعلّل عدم الإفراج عن عوض الله والشريف بن زايد بأنّه يعود إلى “اختِلاف أدوارهما وتباينها والوقائع المنسوبة إليهما، ودرجة التّحريض التي تختلف عن بقيّة المُتّهمين الذين تمّ الإفراج عنهم”.

إذا كان واضحًا أنّ أحد الأسباب الرئيسيّة للإفراج عن المُتّهمين الـ16 هو انتماؤهم إلى عشائر أردنيّة كُبرى، ورغبة الملك عبد الله تطويق الأزمة، وعدم إثارة غضب هذه العشائر خاصّةً أنّ أحد أسباب الغضب على الأمير حمزة هو تواصله مع هذه العشائر، حسب البيانات الرسميّة، فإنّ الأسباب التي أعطاها النّائب العام حول عدم الإفراج عن المُتّهمين الرئيسيّين ما زالت مُبهَمة، وربّما تعود إلى تواطؤهما مع قِوى إقليميّة، وربّما دوليّة، لزعزعة الحُكم والملك عبد الله شخصيًّا.

صحيح أنّ لا العاهل الأردني، ولا النّائب العام، ولا حتّى السيّد أيمن الصفدي وزير الخارجيّة الذي كشف تفاصيل “المُؤامرة” في مُؤتمر صحافي لم يُسمّوا جميعًا هذه الجهات الخارجيّة، ولم يكشفوا عن أدوارها، ولكنّ هذه الدّول باتت معروفةً للرّأي العام الأردني، وخاصّةً المملكة العربيّة السعوديّة التي أرسلت عدّة وفود، على رأسها الأمير فيصل بن فرحان، ورئيس المُخابرات خالد الحميدان، وكِبار ضبّاط الأمن في المملكة، وعدّة طائرات لإطلاق سراح الدكتور عوض الله، الذي يُوصَف بأنّه المُستشار الأبرز للأمير محمد بن سلمان وليّ العهد، وأحد أبرز أصدقائه الشّخصيين، وأخذه معهم إلى الرياض، ولكنّ المَهمّة فَشِلَت، وعادوا بخُفّي حُنين، ولم يتم الاستِجابة لطلبهما للِقاء الملك.

الملك عبد الله الثاني يسير على طريق إرث والده الراحل الملك حسين بن طلال، الذي كان يُبادِر بالعفو عن جِنرالات في الجيش تورّطوا في مُؤامراتٍ انقلابيّة للإطاحه به، وعيّنهم في مناصب عُليا حسّاسة في الدّولة، وأبرزها قيادة الجيش أو حتّى رئاسة الوزراء، ولم ينسَ المُواطنون الأردنيّون ذهابه إلى سجن سواقة واصطِحاب المهندس ليث شبيلات في سيّارته التي كان يقودها شخصيًّا إلى منزل عائلته.

لا نُريد العودة إلى تفاصيل “المُؤامرة” والتوقّف عند بعض الثّغرات الرئيسيّة في الرّواية الحُكوميّة، وكيفيّة إدارة هذه الأزمة من قبل الجِهات المُختصّة، فهذه كلّها أصبحت تاريخًا، وتجاوزتها تطوّرات الأحداث، وكُل ما نستطيع قوله إنّ الإفراج عن المُعتَقلين الـ16، ووقف مُلاحقتهم قضائيًّا وهذه خطوة في الاتّجاه الصّحيح، فمِن غير المنطقي أن يعفو الملك عبد الله عن شقيقه ويبقى هؤلاء في السّجن خلف القُضبان، وما زلنا نأمل أن يشمل العفو المُتّهمين الرئيسيّين الآخرين، ولن نُفاجَأ إذا ما تمّ ذلك بمُناسبة عيد الفطر المُبارك، فالتّسامح سمة الأردن وأحد العناوين الأكبر لأمنِه واستِقراره، وترسيخ التّعايش فيه، واللُّحمة الرئيسيّة التي تُوَثِّق العُلاقة بين العرش والشّعب.. واللُه أعلم.

 

صحيفة راي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى