تحليلات سياسيةسلايد

لماذا نتمنّى صحّة الوثائق التي أكّدت تزويد روسيا بالصّواريخ المِصريّة لدعمها في حرب أوكرانيا؟

نستغرب هذه الضجّة الكُبرى التي تسود العالم حاليًّا بسبب الوثائق السِّريّة الأمريكيّة التي جرى الكشف عن الكثير من مُحتوياتها، خاصّةً تلك المُتعلّقة ببعض الدّول العربيّة وفي مِصر ودولة الإمارات العربيّة المتحدة تحديدًا، وإقامتها علاقات عسكريّة واستخباريّة مع روسيا.

أحد هذه الوثائق كشفت أن الرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي أمَرَ كِبار المسؤولين في مؤسّسة الإنتاج الحربي، وعلى رأسهم الجِنرال محمد صلاح الدين رئيسها، ووزير الدّولة للإنتاج الحربيّ بتصنيع 40 ألف صاروخ، ونقلها بسريّةّ تامّة إلى موسكو، أمّا الوثيقة الثانية فكانت تتحدّث عن تعميق العلاقات الاستخباريّة بين دولة الإمارات حليفة واشنطن وروسيا ضدّ نظيراتها الأمريكيّة والبريطانيّة، وأن ضُبّاطًا في الاستِخبارات الروسيّة نجحوا في توثيق هذه العلاقة، وتفاخروا بنجاحهم في إقناع دولة الإمارات وأجهزتها الأمنيّة بالتّعاون معهم حسب الوثيقة التي قالت وكالة ” الأسوشيتد برس” الأمريكية أنّها اطّلعت عليها.

من الطّبيعي أن تنفي كُل من مِصر والإمارات، وبطريقةٍ تنطوي على الكثير من المُواربة والغُموض ما جاء في هذه الوثائق، والتّأكيد على حِيادها في الصّراع الروسي الأمريكي في أوكرانيا، ونقول “مُواربةً” لأنّ هذا النّفي جاء على لسان “مصادر” غير مُحدّدة، وليس على لسانِ مُتحدّثين رسميّين.

لا يُعيب مِصر، الدّولة الإقليميّة الكُبرى، تصنيع وإرسال صواريخ وقذائف مِدفعيّة لروسيا، وردّ الجميل لها على كُل ما قدّمته، وتُقدّمه الأخيرة لها من أسلحةٍ حديثة ومُتطوّرة، وخاصّةً طائرات “سوخوي” وربّما يُفيد التّذكير بأنّ مؤسّسة الإنتاج الحربي المِصريّة المذكورة آنفًا تأسّست بمُساعدة الخُبراء العسكريين الروس، وبفَضلِ مصانعهم قبل أكثر من خمسين عامًا.

فعندما يقول الجِنرال الوزير محمد صلاح رئيس هذه المؤسّسة إن مِصر تردّ الجميل لروسيا ومواقفها التاريخيّة مع مِصر وتزويدها بأسلحةٍ مُتطوّرة في حُروبها ضدّ الاحتِلال الإسرائيلي، وخاصّةً حرب أكتوبر عام 1973، فإنّه أصابَ كَبِدَ الحقيقة.

لولا روسيا ومُساعداتها من القمح لمِصر بعد توقّف وارداتها من أوكرانيا بسبب الحرب، لواجهت (مِصر) مجاعةً غير مسبوقة، وربّما يُفيد التّذكير بأنّ العلاقات بين البلدين استراتيجيّة، سياسيًّا وعسكريًّا مُشتركة، وهُناك مُناورات عسكريّة سنويّة بينهما، وتردّدت أنباء بوجود قواعد عسكريّة روسيّة في مِصر.

صحيح أن مِصر، وبعد اتّفاقات كامب ديفيد، حصلت على مُساعداتٍ سنويّةٍ أمريكيّةٍ قيمتها مِليار ومائتيّ مِليون دولار سنويًّا، وطائرات أمريكيّة من طِراز “إف 16″، ولكنّ مُعظم هذه الأموال تذهب للخزينة الأمريكيّة لتسديد أثمان هذه الطّائرات وصِيانتها، ومعدّات عسكريّة أُخرى، ولن تخسر مِصر الكثير إذا ما أقدمت الإدارة الأمريكيّة على وقف هذه المُساعدات لأنّها ستُصبِح في حِلٍّ من الالتِزام باتّفاقات كامب ديفيد.

إنتاج مؤسّسة التّصنيع الحربي المِصريّة صواريخ مُتقدّمة وإرسالها إلى موسكو يُؤكّد مدى تطوّر هذه الصواريخ وفعاليّتها في الحُروب، وهذه الخطوة يجب النّظر إليها بالنّظرة نفسها لطائرات “الدرونز” الإيرانيّة المُسيّرة التي غيّرت موازين الحرب الأوكرانيّة لمصلحة روسيا.

أمّا إذا انتقلنا إلى الشّق العربيّ الآخَر المُتعلّق بالإمارات وتعاونها الاستخباريّ مع روسيا، فهذا قرارٌ سياسيٌّ يجب أن يحظى بالاحتِرام، فمِن حقّ الحُكومات العربيّة ومن بينها الإمارات تنويع شراكاتها الأمنيّة مع أيّ دولة في العالم باستِثناء دولة الاحتِلال الإسرائيلي، تَحَسُّبًا لانسِحاب أمريكا الوشيك من مِنطقة الشّرق الأوسط، على غِرار هزيمتها وانسِحابها من أفغانستان والعِراق.

ما لا تُدركه الولايات المتحدة الأمريكيّة أن نُفوذها في مِنطقة الشّرق الأوسط قد تآكل، وأنها لم تعد الدّولة العُظمى المُهيمنة مثلما كان عليه الحال طِوال الثّمانين عامًا الماضية، وأن نظامًا عالميًّا جديدًا مُتَعدّد الأقطاب بزعامة الصين وروسيا باتَ يحلّ محلّها بشَكلٍ مُتسارع.

المملكة العربيّة السعوديّة بدأت مسيرة التمرّد ضدّ هذه الهيمنة الأمريكيّة، وإدارة الظّهر لواشنطن بالاتّجاه شرقًا إلى الصين، وشِمالًا إلى روسيا، والتّخطيط للانضِمام إلى أبرز ركيزتين لهذا التّحالف، أيّ منظومتيّ دُوَل “البريكس” و”شنغهاي” وتحرير قرار تسعير النفط تدريجيًّا من الدولار، والمصلحة الأمريكيّة والأوروبيّة، ويبدو أن مِصر والإمارات وربّما دُوَل عربيّة أُخرى تسير على الطّريق نفسه.

نتمنّى في هذه الصّحيفة أن يكون قرار مِصر بإرسال الصواريخ إلى روسيا، والإمارات بالتّنسيق استخباريًّا معها صحيحًا، وهو يبدو كذلك، لأنّ روسيا وقفت دائمًا إلى جانب العرب، ومصالحهم، والدّفاع عن كرامتهم الوطنيّة في وجْه دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وربّما يُفيد تذكير الأشقّاء في مِصر، حُكومةً وشعبًا أن من بنَى السّد العالي الذي يُوفّر الكهرباء لبلادهم، ومنع الفيضانات، وساهم في إصلاح وريّ ملايين الفدَادين الزراعيّة، هي روسيا وليس الولايات المتحدة التي رفضت التمويل، وردّ الجميل هو من أبرز القيم الإسلاميّة والعربيّة.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى