لماذا يتحدث ترامب عن “اللعب بالنار”؟

 

وقت كان يتحدث دونالد ترامب عن أن إيران “تلعب بالنار” في إشارته إلى زيادة تخصيب اليوارنيوم أعلى من 3.67%، أكّدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، ستيفاني غريشام، عدم الشك بأن إيران كانت تنتهك بنود الاتفاق قبل وبعد توقيع الاتفاق. وهو الأمر الذي استغربه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في سؤاله متهكماً هل أنتم جادون فيما تقولون؟!. ولعله يشير إلى القول المأثور إذا كنت لا تدري فالمصيبة أعظم.

القول الفصل في هذا الشأن أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن إيران هي الأكثر شفافية بين كل دول العالم في احترام تعهداتها أمام الوكالة الذرية العالمية. وهو ما عبّرت عنه بشكل موارب رئيسة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، جينا هاسبل، بالقول أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ “إنهم حالياً وتقنياً ملتزمون بالاتفاق”.

ما ظل يردده ترامب في الأسبوعين الأخيرين بأنه لا يطلب سوى عدم حصول إيران على سلاح نووي، لم ينطلِ على إيران التي خاضت غمار صراعات مريرة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية طوال 40 سنة، وخضّبتها التجارب قبل التوقيع على الاتفاق النووي وبعده، التي تكشف للعيان أن الدول الغربية تسعى بما لديها من وسائل إلى تحويل إيران إلى “دولة طبيعية”، بحسب تعبير مايك بومبيو، لمنعها من امتلاك قدرة الدفاع عن النفس والخضوع إلى التبعية الغربية بشأن حماية “إسرائيل” على وجه الخصوص.

إيران التي تعتمد الندّية في علاقاتها الدولية، ولا سيما مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ترفض المحافظة على تعهداتها في الاتفاق النووي إذا لم تحترم الدول الأخرى احترام التزاماتها بناء على توقيع الاتفاق.

وفي هذا الصدد يبدو من اللافت دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى عودة طهران “من دون تأخير” للمحافظة على عدم رفع معدّل التخصيب وعدم تجاوز مخزون إيران وعدم استخدام مفاعل أراك للمياه الثقيلة.

وفي مقابل هذه الطلبات الأوروبية، يعد ماكرون بمواصلة الإجراءات التي تتحدث عنها أوروبا منذ أكثر من سنة ولم تسفر عن أكثر من حبر على ورق وعلى وعد مأمول لإيجاد صيغة إيرانية وفق معادلة “الغذاء مقابل النفط”. لكن إيران التي ترفض الالتزام من طرف واحد احتراماً للعلاقة الندّية، تتخذ اجراءاتها في إطار الاتفاق النووي فور انتهاء المهلة أمام دول 4+1.

إدارة ترامب التي تشك بأن إيران تسعى إلى امتلاك سلاح نووي قبل توقيع الاتفاق وبعده، تتوخى من وراء ذلك تفكيك القدرة الصاروخية الإيرانية وما تسميه “عدم الاستقرار في المنطقة” دلالة على التزام الولايات المتحدة بحماية “إسرائيل”.

والمفارقة أن إدارة ترامب تتجاوز قاعدة حماية “إسرائيل” المعهودة التي التزمت بها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بتبنّي الأساطير التلمودية والعودة إلى أكثر من 2500 سنة بدعوى حماية اليهود من الفرس.

بومبيو الذي يدّعي أن الرب أرسل ترامب لحماية اليهود كما أرسل الملكة إستر، يعبّر عن أسطورة الملكة إستر في إنقاذ اليهود من الفرس في ذلك الزمان الذي يعود إلى عام 600 قبل الميلاد وإلى قتل عشرات الآلاف من الفرس.

وفي السياق نفسه يشير دافيد فريدمان المتشبّع بالأساطير التلمودية بشأن “إسرائيل”، إلى نفق “درب الحجاج” تأكيداً لإلهام ترامب في ضم القدس إلى “إسرائيل”. وفي هذا المناخ الأسطوري الذي يغذيه بولتون وكوشنر وجيسون غرينبلات، لعل ترامب يحاول التلميح إلى التزام الغرب بحماية “إسرائيل” من “المحرقة” في حديثه عن السلاح النووي واللعب بالنار.

بمنأى عن الأساطير التلمودية، وفي إطار موازين القوى الاستراتيجية والميدانية، من يلعب بالنار هو الذي يبدأ الحرب التي تهدّد بحرقه وحرق المنطقة. فترامب إذا بدأ اللعب بالنار، قد ينتهي ولا ينهي لهيبها.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى