لماذا يكسرنا الموت ؟!
رقد انكيدو مريضا أمام جلجامش
وأخذت الدموع تنهمر من عينيه
فقال له جلجامش : يا أخي العزيز علام يبرؤنني من دونك
وأردف يقول : هل سيتحتم على أن أراقب أرواح الموتى
وأجلس عند باب الأرواح؟
(ملحمة جلجامش)
هكذا ببساطة يطوينا الموت، كورقة هشة تمسك بها يد قوية، تجمع طياتها وثنيات أجزائها بقبضة محكمة، كأنها تخنقها، ثم ترميها في التراب…
تبدو الورقة وكأنها لم تعد صالحة للاستعمال، لذلك، ليس هناك فائدة تُرتجى من بناء صرح كبير يشبه الهرم فوقها، وقد غدت مرمية ومطمورة في تراب أبدي!
لذلك نشأ التحدي عبر التاريخ.
راح جلجامش يركض في مدى الأرض يبحث عن عشبة تنجيه من النهاية التي أخذت أنكيدو منه، وضاعت محاولاته أمام القدر المحتوم..
هي مسألة تحدي ، وفي الدين ينتهي التحدي بأن يقهر الله الإنسان بالموت..
وإذا كان الإنسان قد أعلن عجزا أبديا عن الخلود منذ ضياع فكرة (العشبة)، فإنه سعى إلى إجراء عملية استبدال منطقية للخلود، تتجسد بتقديم ذلك المنجز العظيم الذي يخلده، ربما يكون أهراماً، وربما يكون نصراً، وربما يكون اختراعاً، وربما يكون اكتشافاً ، وربما يكون وهما كما حصل مع كثيرين.
وما أود الوصول إليه هو أن الخلود بالنسبة للكاتب هو منجزه الأدبي التاريخي، الذي يتغنى به البشر بعد رحيل مبدعه.
لذلك نقرأ نحن، وتقرأ الأجيال القادمة أعمال شكسبير، وتولستوي، وتشيخوف، وفاغنر، وهيمنغواي ، وهيجو، وكزانتزاكي ، ونجيب محفوظ، وحنا مينة، ومحمد الماغوط ، وغيرهم.
لذلك نقرأ نحن، وتقرأ الأجيال القادمة، مكبث، والحرب والسلم، والراهب الأسود، والصخب والعنف، والشيخ والبحر، والمسيح يصلب من جديد، وخان الخليلي، والشراع والعاصفة، والفرح ليس مهنتي..
وكذلك يفعل الموسيقيون والمعماريون والقادة العسكريون والمخترعون والفلاسفة والمؤرخون، يشتغلون على التحدي نفسه، فيموتون، لكنهم ينجزون الاستبدال المنطقي للخلود بإنجاز مايبقيهم على قيد الحياة ولو صورياً !
هناك نوع آخر ، يسعى للعبور إلى هذا الطريق، فيظن أنه يصنع خلوده، فإذا به يترك ما يجلب عليه اللعنات، وكأن ثمة من يعبث بعظامه، وكأن الموت يمسك بقبضته من جديد على عظامه، ويعود ليطبق عليها بقبضته القوية، وهذه المرة تحت اسم اللعنة !
من هم الملعونون بعد الموت ؟
من هم الذين يفشلون في لعبة التحدي تلك، وفي ظنهم أنهم حجزوا مقعداً إلى جانب صانعي الخلود ، لإغذا هم يقطفون اللعنات ؟!
من هم الملعونون بعد الموت؟
سؤال لابد من الإجابة عليه قبل أن يطوينا الموت، كورقة هشة تمسك بها يد قوية، ثم ترميها في التراب!