تحليلات سياسيةسلايد

لماذا ينفي ماكرون أنّ السّبب الرئيسي لزيارته للجزائر هو “تَسَوُّل” غازها؟

لن يُصَدِّق كثيرون، ونحنُ من بينهم، نفي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّ الهدف الرئيسي لزيارته للجزائر هو “تَسَوُّل” الغاز، داعمًا نفيه بالقول إنّه، أيّ الغاز يُمثّل حصّة ضئيلة في مصادر الطّاقة الإجماليّة الفرنسيّة حيث لا يزيد عن 20 بالمِئة فقط.
ما يُؤكّد ما نقوله آنفًا أزمة الطّاقة التي تسود أوروبا في الوقت الرّاهن، وارتفاع أسعارها بشَكلٍ كبير بسبب الحرب الأوكرانيّة والتهديدات الروسيّة بوقف إمداداتها من النفط والغاز كرَدٍّ انتقاميّ على دعم دول أوروبيّة بينها فرنسا، أوكرانيا وجيشها بالمالِ والسِّلاح.
لولا حاجة أوروبا للغاز والنفط لما أقدم الرئيس ماكرون على هذه الزّيارة، مع تسليمنا بأنّ هُناك قضايا أُخرى على جدول أعمال زيارته مِثل الهِجرة والإرهاب، والتّبادل التجاري، وتأشيرات الدّخول لفرنسا، ولكنّها تظل جميعها قضايا ثانويّة، أو أقل أهميّة، فالجزائر تحتلّ المرتبة الأولى كأكبر دولة مُنتجة للغاز في إفريقيا، علاوةً على كونها تسبح على بُحيرةٍ من النفط، وتُعتبر أضخم دولة إفريقيّة من حيثُ المساحة، (2,300 مِليون كيلومِتر مكعّب)، وربّما لهذا السّبب حرص الرئيس الفرنسي على شُكر الجزائر على زيادة إمداداتها عبر خطّ أنابيب غاز “ترانسميد” الذي يُغطُي إيطاليا مُؤكِّدًا أن هذه الخطوة الجزائريّة تسمح بتعزيز تنوّع مصادر الطّاقة في أوروبا، بعدما كانت تعتمد على الغاز الروسي (الجزائر تُزوّد أوروبا بحواليّ 11 بالمِئة من احتِياجاتها من الغاز).
نُركّز على مِلف الغاز في هذا المقال الافتتاحيّ من دُونِ القضايا الأخرى التي تناولتها زيارة الرئيس ماكرون، لأنّنا نُدرك أهميّة الجزائر وغازِها ونِفطها بالنّسبة إلى القارّةِ الأوروبيّة مع مقدمِ فصل الشّتاء القارس، فاليوم أعلنت بريطانيا جارة فرنسا عن زيادة أسعار الطّاقة بأكثر من 54 بالمِئة اعتِبارًا من أوّل تشرين أوّل (أكتوبر) المُقبل، بينما تُواصِل أسعار الغاز في الاتّحاد الأوروبي الارتفاع بحيث وصلت إلى أرقامٍ قياسيّة مُنذ آذار (مارس) الماضي (3360 دولارًا لكُلّ ألف مِتر مُكعّب).
بعودة الغرب “مُتَسَوِّلًا” إلى الدول العربيّة المُنتجة للنفط والغاز، من المأمول أن تفرض هذه الدّول شُروطها، وتخرج من تحت خيمة التبعيّة للغرب، وتُصَحِّح الثّقوب العديدة في علاقاتها السياسيّة والتجاريّة معه، ونحنُ نتحدّث هُنا عن أمريكا والاتّحاد الأوروبي من حيث الحُصول على أسعارٍ عادلة لثرواتها، تُوَظَّف في خدمة مشاريع التنمية المُستدامة وتوفير العمل والرّخاء والخدمات الأساسيّة لشُعوبها.
وربّما نُشير في هذه العُجالة إلى أحدثِ تصريحات جوزيف بوريل وزير خارجيّة الاتّحاد الأوروبي الذي قال فيها إن من أبرز اهداف السّعي لاتّفاقٍ نوويّ مع إيران وتقديم التّنازلات لها هو رفع الحِصار عن صادراتها النفطيّة والغازيّة لتعويضِ أيّ نَقصٍ في مصادر الطّاقة الروسيّة.
كان لافتًا، ومن خِلال مُتابعات بعض محطّات زيارة الرئيس الفرنسي، أنّ السّلطات الجزائريّة تعاملت بنديّة مع ضيفها الرئيس الفرنسي، من مُنطلق الحِرص على فتحِ صفحةٍ جديدةٍ تضع حدًّا للغطرسة الاستعماريّة التي كانت تتّسم بها العُلاقات مُنذ انتِصار الثورة الجزائريّة وتحقيق الاستِقلال.. واللُه أعلم.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى