لمحة موجزة عن تاريخ عن المماليك (إعداد د. إياد العرفي)
إعداد د. إياد العرفي
المماليك ليسوا عبيدا بالمعنى التقليدي، حيث لم يكن الأمير الصالح أيوب، ومن تبعه من الأمراء الأيوبيين، يتعاملون مع المماليك كرقيق بل على العكس من ذلك تماماً، فقد كانوا يقربونهم جداً، ولم تكن الرابطة التي تربط بين المالك والمملوك هي رابطة السيد والعبد أبداً، بل رابطة المعلم والتلميذ حتى إنهم كانوا يطلقون على السيد الذي يشتريهم لقب "الأستاذ" وليس لقب "السيد"، بل يذهب البعض إلى القول أن الرابطة التي كانت تجمعهما أقرب إلى رابطة الأب والابن، وهذه روابط تعتمد على الحب في الأساس، لا على القهر أو العبودية.
في العام 1239 قرر الأمير الصالح تشكيل فرقة عسكرية ضاربة خاصة بالملك لحمايته وحماية ملكه في القاهرة، فقام بشراء عبيد من أصول مختلفة منها التركي والشركسي، وكانوا في الأغلب أطفالاً.
أول المراحل في حياة المملوك هي أن يتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة، ثم بعد ذلك يُدفع إلي من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ في تعلم مبادئ الفقه الإسلامي، وآداب الشريعة الإسلامية.. ويُهتم جداً بتدريبه على الصلاة، وكذلك على الأذكار النبوية، ويُراقب المملوك مراقبة شديدة من مؤدبيه ومعلميه.
لهذه التربية المتميزة كان أطفال المماليك يعظمون أمر الدين الإسلامي جدًا، وتتكون لديهم خلفية واسعة جداً عن الفقه الإسلامي، وتظل مكانة العلم والعلماء عالية جداً عند المماليك طيلة حياتهم، وهذا ما يفسر النهضة العلمية الراقية التي حدثت في زمان المماليك، وكيف كانوا يقدرون العلماء حتى ولو خالفوهم في الرأي.. ولذلك ظهر في زمن دولة المماليك الكثير من علماء المسلمين الأفذاذ من أمثال العز بن عبد السلام، والنووي، و ابن تيمية، وابن القيم الجوزية، وابن كثير.
ثم إذا وصل المملوك بعد ذلك إلى سن البلوغ جاء معلمو الفروسية ومدربو القتال فيعلمونهم فنون الحرب والقتال وركوب الخيل والرمي بالسهام والضرب بالسيوف، حتى يصلوا إلى مستويات عالية جداً في المهارة القتالية، والقوة البدنية، والقدرة على تحمل المشاق والصعاب.
ثم يتدربون بعد ذلك على أمور القيادة والإدارة ووضع الخطط الحربية، وحل المشكلات العسكرية، والتصرف في الأمور الصعبة، فينشأ المملوك وهو متفوق تماماً في المجال العسكري والإداري، وذلك بالإضافة إلى حمية دينية كبيرة، وغيرة إسلامية واضحة.
هذه التربية تفسر قدرة المماليك فيما بعد على تأسيس دولة إقليمية عظمى حكمت مصر و الشام والحجاز و امتدت سطوتها الى بلاد أخرى فى عالم البحر المتوسط و الأحمر على كافة مستويات سواء كانت سياسية او دبلوماسية او غيرها .
بدأ عهد المماليك عمليا بعد وفاة السلطان الصالح، حيث قامت زوجته شجر الدر بادارة شؤون الحرب ضد الصليبيين الذين ضمتهم الحملة الصليبية السابعة على مصر بقيادة لويس التاسع، بمساعدة الامراء المماليك و حين تولى توران شاه عرش البلاد اصطدم بطموح شجر الدر من ناحية وبقوة نفوذ المماليك من ناحية اخرى و انتهى الصراع بنهاية لصالح شجر الدر لتصبح اولى سلاطين المماليك فى مصر و الشام.
قام المماليك في أول عهد دولتهم بصد الغزو المغولي على بلاد الشام و مصر وكانت قمة التصدي في موقعة عين جالوت. بعدها وفي عهد السلطان الضاهر بيبيرس (1260-1277 م) و السلاطين من بعده، ركز المماليك جهودهم على الإمارات الصليبية في الشام، فقضوا سنة 1290 م على آخر معاقل الصليبيين في بلاد الشام: عكا.
ابتدأ العهد المملوكي في بلاد الشام عام 1259، بعد معركة عين جالوت. وقد لقيت دمشق عناية كبيرة من سلاطين المماليك، الذين اقتضت ظروف قتالهم لبقايا الصليبيين إقامتهم في عاصمتهم الثانية دمشق، فكانت ولاية دمشق من أكبر وأهم نيابات السلطنة المملوكية وعرفت باسم "نيابة الشام"، وتمتد حدودها إلى الفرات والرستن شرقاً وشمالاً، وإلى البحر المتوسط غرباً، وإلى غزة والكرك جنوبا.
وكان يكلّف نائب دمشق بالإشراف على بقيّة النّيابات وهي: حلب وحماة وطرابلس وصفد والكرك. ولهذا كان نائب دمشق يحمل لقب: نائب السلطنة أو ملك الأمراء.
وقامت في عهد المماليك أعمال عمرانية وإصلاحات واسعة، منها عدد كبير من المساجد والمدارس، ونعمت دمشق في عهد بعض السّلاطين والأمراء مثل السلطان الظاهر بيبرس والسلطان قلاوون والأمير تنكز بكثير من الاستقرار، فازدهرت الحركة العلمية ومدارسها، والفنون والعمران، كما نشطت الصناعة والتجارة.
ترك المماليك في مصر وسورية تراثاً معمارياً يعتبر ثروة أثرية ونقلة نوعية في تاريخ العمارة الاسلامية. وأحد أهم أثر لذلك العصر في دمشق هو مئذنة قايتباي في الجامع الأموي في دمشق. وقايتباي هو الملك الأشرف أبي النصر قايتباي.
المماليك ومذبحة محمد علي باشا
كان محمدعلى يريد الانفراد بسلطة مصر فكان عليه التخلص من الزعامة الشعبية للمماليك الذين كانوا يرون أنهم الحكام الأصلين لمصر وكانوا دائمي التمرد والإزعاج لمحمد على فلم تنفع معهم محاولات الصلح والإرضاء بالأموال التي قام بها محمد على حتى أنه أرادا استرضاء (مراد بك) زعيم المماليك وإعطائه حكم الوجة القبلى مقابل فريضة من المال وعدم مساعدة المماليك للانجليز ولكن لم يجدى هذا معهم حتى جاءت الفرصة لمحمد على حين أرسل السلطان العثمانى لمحمد على يطلب منه تجهيز الجيوش والخروج لمحاربة الحركة الوهابية فى شبة الجزيرة العربية.
قلق محمدعلى أنه إذا خرج الجيش في هذا الوقت وظل وحيدا دون حماية فسوف يفكر المماليك في انتهاز هذه الفرصة والقضاء عليه، لذلك قرر المبادرة هو بالإجهاز عليهم، فقام بدهوة زعماء المماليك إلى القلعة بحجة انه سوف يقيم حفلا لتوديع الجيش الخارج لمحاربة الوهابين، وذهبت الدعوة إلى المماليك في كل صوب من أركان مصر من مشرقها إلى مغربها ولم يشك زعماء المماليك في نية محمد على بل استعدوا وارتدوا الملابس الرسمية استعدادآ للحفل وهم لا يعلمون انه سوف يكون اخر يوم لهم في الحياة.
وفى يوم الحفل "المصيدة" ( 1مارس1811) استعد محمد علي للحفل وجاء زعماء المماليك بكامل زينتهم يركبون على أحصنتهم وبعد ان انتهى الحفل الفاخر دعاهم محمد على لكى يمشون في موكب الجيش الخارج للحرب. تقدم الموكب جيش كبير من الأحصنة التي يركبها جيش محمد على بقيادة ابنه إبراهيم بك، ثم طلب محمد على من المماليك أن يسيروا في صفوف الجيش لكى يكونوا في مقدمة مودعيه. وفى هذه اللحظة بعد ماخرج الجيش من باب القلعة أغلقت الأبواب، واستدار الذين كانوا يديرون رئوسهم للمماليك لهم وانطلقت رصاصة في السماء كإشارة لبدء المذبحة.
الوحيد الذى نجا من مذبحة القلعة هو أمين بك الذي قفز بحصانه من فوق سور القلعة وسقط مغشياً عليه ومات الجواد من شدة السقوط ، و تقول الرواية التاريخية أن بعض البدو رأوا أمين بك مغشياً عليه ، فأسرعوا إلى سرقة سلاحه و نقوده و ضربوه بالسيوف فأصابوه إصابة بليغة في عنقه ، و لكنه لم يمت ، و عثر عليه آخرون قاموا بإخفائه و معالجته حتي شفي و استطاع الالتجاء إلي سوريا.