تحليلات سياسيةسلايد

لهذه الأسباب ستفشل أمريكا في تحقيق أي من أهدافها في حربها في اليمن وقد تترحم على ايامها في فيتنام

عبد الباري عطوان

تبنت حركة “انصار الله” اليمنية اليوم هجوما رابعا شنته قواتها البحرية بالصواريخ الباليستية والمسيّرات الانغماسية على حاملة الطائرات الامريكية هاري ترومان المتواجدة حاليا بالقرب من السواحل اليمنية في البحر الاحمر في غضون 72 ساعة، مثلما جاء في بيان مصوّر للعميد يحيى سريع الناطق العسكري للحركة وقواتها.

هذا الهجوم وغيره جاء تنفيذا لفتوى اصدرها زعيم الحركة السيد عبد الملك الحوثي برد فوري مزدوج، الأول تضامنا مع المحاصرين إسرائيليا في قطاع غزة، وضد الغارات وحرب الإبادة الإسرائيلية التي استؤنفت قبل ثلاثة أيام، والثاني، الثأر لشهداء وجرحى الغارات الامريكية على ست محافظات يمنية على رأسها صنعاء والحديدة وصعدة الذين بلغ عددهم 53 شهيدا وأكثر من مئة جريح حتى الآن.

إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب تتورط وتغرق بشكل متسارع في حرب وجودية في اليمن، بدأتها بوضع حركة “انصار الله” على قائمة الإرهاب مجددا، وتطورت الى حشد اربع حاملات طائرات في البحر الأحمر والمحيط الهندي، بعضها وصلت فعلا، مثل ترومان وثلاثة أخرين في الطريق، وشن العدوان المذكور آنفا.

هناك عدة اهداف تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها من وراء هذا التصعيد نوجزها في النقاط التالية:

الأول: إعادة الملاحة التجارية البحرية الإسرائيلية والعالمية الى البحرين الأبيض والعربي وتأمينها، واعترف الرئيس ترامب ان آخر سفينة تجارية أمريكية دخلت مضيق باب المندب قبل أربعة أشهر، وان سيطرة القوات اليمنية كلفت التجارة العالمية عشرات المليارات، وقناة السويس حوالي 8 مليارات دولار حتى الآن، ان لم يكن أكثر.

الثاني: إضعاف القدرات العسكرية القتالية لقوات حركة “انصار الله” بإغراقها في حرب استنزاف تزعزع نفوذها، وتقلص مجالات مناوراتها العسكرية، وتصعّد الحياة المعيشية لحاضنتها الشعبية.

الثالث: تكرار السيناريو اللبناني باغتيال القادة الروحيين، والسياسيين، والعسكريين لحركة “انصار الله”، وهذا ما يفسر تكثيف الغارات ليلة أمس الثلاثاء على مديرية الصفراء في محافظة صعدة التي تعتبر أهم معاقل الحوثيين القيادية والعسكرية، الى جانب اهداف أخرى يتردد عليها القادة السياسيين والعسكريين في كل من الحديدة والعاصمة صنعاء.

الرابع: تطبيق سياسة “الضغط الأقصى” التي تتبعها إدارة ترامب على ايران والاذرع العسكرية الحليفة، وخاصة حركة “انصار الله” اليمنية، وحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق.

الخامس: قطع قنوات الاتصال اليمنية البحرية والجوية والمدنية مع حلفاء الحركة اليمنية، وخاصة مع ايران والصين وروسيا، وان كانت القنوات مع موسكو شبه مجمدة الآن بعد التقارب الروسي الأمريكي.

سيكون من الصعب على الولايات المتحدة تحقيق أي من أهدافها في اليمن وعلى رأسها تأمين الملاحة البحرية في البحرين الأبيض والمتوسط لانها تتبع الأسلوب والسياسات الخطأ التي تكشف عن جهل يرتقي الى مستوى “الامية” السياسية والعسكرية باليمن وإرثه التاريخي، وموقعه الجغرافي، وطبيعة شعبه وقدرته القتالية العالية، وجينات الشجاعة وعدم الخوف التي تسري في دمائه، وتميزه عن محيطه.

هناك عدة أسباب يمكن ان تؤكد فرضية فشل المخططات الامريكية في اليمن، ندونها في النقاط التالية:

أولا: إحتمال الوصول الى قادة “انصار الله” واغتيالهم، يبدو ضعيفا جدا، لأن هؤلاء يعيشون حياة بسيطة متواضعة، ولا يقيمون في قصور، ولا يستعملون الأجهزة الالكترونية مثل الهواتف النقالة، او المعدات اللاسلكية و”البيجرات” ويعيشون، او معظمهم، في الكهوف والوديان الوعرة جدا، وسط الجبال الشاهقة.

ثانيا: لا يوجد ناطحات سحاب في اليمن، او أبراج ضخمة، مثلما هو الحال في لبنان، وجزئيا في مدينة غزة، وتم بناء شبكه أنفاق سرية ضخمة طوال سنوات الحرب العشر الماضية، مضافا الى ذلك ان مخازن الأسلحة ومصانع الصواريخ محفوره في أعماق الجبال.

ثالثا: تأمين الملاحة في البحر الاحمر لا يتم الا بإزالة أسباب الاخطار المهددة لها، وأهمها وقف حرب الابادة في قطاع غزة فورا وإعادة الاعمار، وإيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، فهذه القضية باتت قضية يمنية محلية صرفة في الأشهر الأخيرة معمدة بالدماء المشتركة للشعبين الفلسطيني واليمني، وأصبح اليمن دولة مواجهة رسمية وفعلية.

رابعا: سياسة “الضغط الأقصى” على ايران من خلال تصعيد الحرب ضد اليمن محكوم عليها بالفشل، لان القرار اليمني اكثر استقلالية مما يتوقعه الإسرائيليون والمستشارون السياسيون والعسكريون الامريكان الذي نكرر مرة أخرى انهم في قمة الجهل عندما يتعلق الأمر بالشأن اليمني، ونحن نصدق ما قاله المسؤولون الإيرانيون الكبار تأكيدا لهذه الحقيقية وأبرزهم السيد عباس عراقجي وزير الخارجية، والجنرال حسين سلامي رئيس الحرس الثوري الإيراني من ان ايران لا تملي على اليمن ما يفعله او لا يفعله بالنسبة لمواقفه السياسية والعسكرية والإقليمية، وان كان من الصعب تجاهل حقيقة ان معظم الصواريخ والمسيّرات اليمنية جرى تصنيعها، وربما الحصول على معظم مكوناتها، بمساعدة خبراء إيرانيين، وما الضير في ذلك، فهذا حق مشروع لجميع الدول، فمن اين حصلت إسرائيل على طائراتها الحربية وبرنامجها النووي، ومئات المليارات من المساعدات المالية؟

***

ختاما نقول ان معظم الغارات والضربات الامريكية والإسرائيلية على اليمن ستظل محدودة التأثير على حركة “انصار الله” اليمنية، طالما لم يتلوها تدخلا بريا، وحتى هذا التدخل في حال حدوثه سيكون اثمن هدية لها ولمعظم أبناء الشعب اليمني الذي يتمناها لكي يلقن أمريكا درسا لم تعرف مثله في جميع تدخلاتها وحروبها العسكرية السابقة في فيتنام والعراق وأفغانستان.

الهدف الأكبر الذي يتطلع اليه نتنياهو قبل ان ينهي حياته السياسية خلف القضبان هو توريط أمريكا في حرب مع ايران اذا ما فشلت سياسة “الضغط الأقصى” عليها، وفرض شروط ترامب عليها، وأبرزها العودة لاتفاق نووي بمقاييس إسرائيلية وأمريكية، وتفكيك صناعاتها العسكرية المتطورة وأبرزها الصواريخ والمسيّرات والغواصات، ووقف جميع مساعداتها العسكرية لأذرع المقاومة العربية في اليمن ولبنان والعراق.

اليمن ارض المفاجآت، مثلما فاجأتنا بكونها الوحيدة التي وقفت مع أهلنا في قطاع غزة بكل شجاعة، وبقصف يافا بالصواريخ الفرط صوتية وارسال 4 ملايين مستوطن الى الملاجئ، ستكشف في الأيام المقبلة عن مفاجآت أخرى ربما أخطر أبرزها أسلحة جديدة متطورة.

إسرائيل ستقود أمريكا الى الجحيم الحقيقي، عبر البوابتين اليمنية والإيرانية، وعلى أرضية حرب الإبادة والتجويع في قطاع غزة.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم الالكترونية 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى