ليالي عاشوراء بين السليماني في العراق ونصر الله في لبنان والحسينيين في أستراليا
تأتي أخبار لبنان والمشرق متأخرة إلى أستراليا، فمما لا شك فيه أن أستراليا والعرب فيها لا يواكبون آخر أخبار الصراع السني-الشيعي وانتصاراته وهزائمه، خصوصاً في لبنان والعراق. فالأجواء في سيدني توحي بأن شبح داعش في كل مكان، هذا الكائن الإرهابي الغريب، وأنه يستهدف المستضعفين من المسيحيين والشيعة الحسينيين. فقد قامت سيدني ولم تقعد منذ بضعة أيام على حدث مروع ذكر فيه الإعلام الأسترالي حادث استهداف مجوعة مناصري “داعش” لقيادي شيعي خلال أدائه لطقوس عاشوراء في إحدى ضواحي جنوب غرب سيدني المنسية، حيث أطلقت عليه النار واستخدمت كلماتً نابية ضد الطائفة الشيعية الكريمة. وقام رئيس وزراء أستراليا-“طوني أبوت- الشديد، القوي، واستنكر فوراً الحادث المؤسف وحذر من مخاطر “داعش” الظاهرة منها والخفية. وعاشت منطقة غرينايكر –حيث حدث فيها اطلاق النار- في ذعر من تداعيات الصراع وما سينتج عنه من احتمال إطلاق رصاص مضاد وتساؤلات حول وقوع السلاح بأيدي إرهابيين ومن يمولهم ومن يأذن لهم بحمل السلاح وهل ستصبح سيدني مدينة تحكمها مليشيات وكيف ستسيطر الدولة عليهم؟ وما إلى ذلك من تساؤلات وهواجس كثيرة أغرقت أذهاننا في ضباب كثيف، إلى أن كشفت الشرطة عن أن الحادث قد يكون في الحقيقة ناجم عن خلاف بين اثنين من أعضاء جمعية “حسينية النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم” حول إدارة المركز وانه لا علاقة لداعش بها.
لم يحرك رئيس الوزراء الأسترالي ساكناً، ولم يعتذر عن استخدام معلومات قد تظهر أنها مغلوطة للجالية العربية المرتبكة والشعب الأسترالي الذي يغلي حقداً على المسلمين بسبب حروب داعش في سورية والعراق. لم تناسبه ظهور وقائع جديدة، فهذه لا تلائم سياسته العنصرية ضد المسلمين وسياسة زرع الفتن كي يبرر مشاركته في الحرب ضد داعش في العراق وتقديم عذر جديد للشعب الأسترالي العريض حول استخدام أمواله في حرب وهمية ثانية في العراق. لم يستطع هذه المرة استغلال الموقف كلياً، ولكنه سيفعل في المستقبل وإن لم يجد المناسبة لذلك فسيفتعلها كي لا ننسى لماذا القوات الأسترالية وأموالها هناك، في العراق. فهل ستكون الجالية العربية وقتها واعية لهذه الأمور؟ وهل سيتوقف بعض أعضائها عن استخدام العنتريات والسلاح والألفاظ النابية؟
سيدني وقياداتها لم يكن قد وصلها طبعاً آخر أخبار انتصارات الحرس الثوري الإيراني في العراق بقيادة قائد فيلق القدس الجنرال قاسم السليماني ضد الداعشيين، وانتصارات حزب الله أيضاً في شمال لبنان ضد الداعشيين وجبهة النصرة – بواسطة الجيش اللبناني وبدعم من تيار المستقبل وتمويل المملكة العربية السعودية. وأن هناك تطورات إيجابية للعلاقة بين إيران والسعودية، وبوادر مصالحة شيعية سنية في لبنان، حيث تغزل السيد حسن نصر الله بتيار المستقبل عشية التحضير لعاشوراء في خطاب كان مفعماً بالتقدير لجهود “المستقبل” في مساندة الجيش اللبناني ضد “التكفيريين” .. وبهذا يكون قد ضم “المستقبل” تحت جناحه فوجد أن الفرصة مناسبة كي يذكر فوراً بعدها مرشحه لموقع رئاسة الجمهورية اللبنانية، ميشال عون! هل سيقبل “المستقبل” بهذا الترشيح وهل سيكون “الحوار” بينه وبين السيد حسن هو بالأحرى “فرض على المستقبل” شخصية الرئيس الجديد؟
لم يكن أيضاً قد وصل للجالية العربية -المفككة والمتشرذمة- في سيدني تغني السيد حسن نصر الله – في الخطاب نفسه- عن مشاركته الحلف العالمي في محاربة الداعشيين حين قال: “التكفيريون لا مستقبل لهم، لا حياة لمشروعهم، ستلحق الهزيمة بهؤلاء التكفيريين في كل المناطق والبلدان وسيكون لنا شرف أننا كنا جزءاً من إلحاق الهزيمة بهؤلاء”. ها وقد أفرجت إيران عن عضلات ذراعيها الاثنتين، في لبنان والعراق، وقررت أنها
– للمرة الألف- هي حامية الحدود من العدو الصهيوني الغاشم والعدو الداعشي القاتم وأنها هي جالبة للنصر والأمان للمستضعفين، فماذا ستكون الخطوة التالية لتركيا بعدما وصل الدور إليها الآن في لعبة الشطرنج مع اللاعب السوري (داعمه ووراءه إيران طبعاً) في رقعة ملعبهم؟ ماذا سيكون موقف تركيا (التي تريد رأس الأسد) من التقارب السعودي الإيراني اليوم؟ وهنا – في قعر الكرة الأرضية، أي أستراليا- هل ستقدم الجالية العربية، مرة ثانية، حجة على طبق من فضة للدولة الأسترالية لدخولها العراق؟ أم سنكون على وعي بما يُحاك وعلى قدر من المسؤولية، على الاقل تجاه أولادنا والأجيال القادمة التي هربت من حروب الشرق الأوسط لتعيش في أمان في غربة لا نهاية لها؟
سيدني- استراليا