ليبرمان يُلَوِّح بحَربٍ وَشيكَةٍ على قِطاع غزّة.. و”حماس″ تَرُد بِمُناورات عَسكريّة عَلنيّة للمَرّة الأُولى

النَّغمة السائِدة التي يُردِّدها مُعظَم القادِمين من الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة تُفيد بأنّ الأجواء مُلبّدة بِغُيوم الحَرب، وأن الانفجار ربّما يكون وَشيكًا، وما يُطمئِن أنّ مَعنويّاتهم، أو الغالبيّة العُظمى مِنهم، عالِية جدًّا، ولا يَجِد الخَوف والهَلع طريقًا إلى قُلوبِهم.

من يُتابِع تصريحات المَسؤولين الإسرائيليين والتطوّرات على الأرض، يَلمِس أن ما يتحدّث عنه الصَّامِدون في الأراضي المُحتلّة أقرب إلى الدِّقّة، وليس مُجرَّد أحاديث مجالِس، وهُناك العَديد من المُؤشِّرات في هذا الصَّدد لا بُد من التوقُّف عِندَها:

أوّلاً: أعلن إفيغدور ليبرمان، وزير الحَرب الإسرائيلي أن الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة في المناطِق الشماليّة المُحاذِية لسورية ولبنان غير مُستعدِّة للحَرب على عَكس الجبهة الجنوبيّة في مُواجَهة قِطاع غزّة، مُؤكِّدًا في الوَقت نفسه أن إسرائيل لن تَسمَح بوجود عَسكري إيراني في سورية، ولن تكون هُناك إيران نوويّة.

ثانيًا: إجراء كتائب “القسام” الجَناح العَسكري لحركة “حماس” مُناورات بالصَّواريخ، والطَّائِرات المُسيّرة، والذَّخيرة الحيّة شارَك فيها أكثر من 30 ألف مُقاتِل، تحسُّبًا لعُدوانٍ إسرائيليٍّ، وهِي المَرّة الأُولى التي تَجري فيها الكتائِب مُناورةً علنيّةً كهذه، تَكشِف عن جُهوزيّتها القِتاليّة.

ثالثًا: نَشر الجيش الإسرائيلي حُشودات عسكريّة مُكثّفة في الضِّفّة والقِطاع يَضُم قنّاصة لتَفريق المُظاهرات والتصدِّي للمُتظاهِرين، حيث من المُتوقّع إطلاق مسيرات شعبيّة حاشِدة بمُناسبة نَقل السفارة الأمريكيّة إلى القُدس المُحتلّة في ذِكرى النَّكبة، وتُشرِف على إعدادها حركة “حماس”.

جميع الأطراف في حالٍ من الاستنفار، والسُّؤال المَطروح بقُوّة حول من سَيُشعِل فتيل قُنبلة الاحتقان في ظِل حال الإحباط التي تعيشها السُّلطة الفِلسطينيّة، ووصول مَشروعها التَّفاوضي “السِّلمي” إلى طَريقٍ مَسدود.

الرئيس محمود عباس وصل إلى درجة من اليَأس غير مَسبوقة، باتت تَنعكِس في خِطاب رِئاسي يحتوي على مُفردات وتَوصيفات جديدة على قاموسِه الذي كان يَتّسم بالهُدوء، مِثل الضَّرب بالكنادِر، و”ابن الكلب”، و”يَخرِب بيته”.

أكثر ما يُقلِق الرئيس عباس إدراكه بأنّ عُمر رئاسته للسُّلطة انتهى، وأن البَحث الإسرائيلي الأمريكي جارٍ على قَدمٍ وساق لإيجاد “بديلٍ له”، يَقبل بـ”صَفقة القرن”، وتُشير مُعظَم التَّسريبات إلى اللواء ماجد فرج، رئيس المُخابرات الفِلسطينيّة والقائِد الفِعلي لقُوّات الأمن ليكون هذا البَديل، وتستند هذهِ التَّرجيحات إلى مُخاطَبة الأمريكان والإسرائيليين لهُ بصُورةٍ مُباشرة، وبَعيدًا عن السُّلطة في رسائِل تهنئة بِفَشل مُحاولة “اغتيال” مَزعومة استهدفت مَوكِب الدكتور رامي الحمد الله، رئيس الوزراء، في مَدخل قِطاع غزّة، وكان هو من ضِمن أبرز الشَّخصيّات المُرافِقة.

حركة “حماس” وقُوّتها العَسكريّة المُتنامِية باتت تُشكِّل خَطرًا على المشاريع الأمريكيّة والمُتمثِّلة في صَفقة القَرن التي يُمكِن أن تفرضها إدارة الرئيس دونالد ترامب كحَلٍّ للصِّراع العَربي الإسرائيلي، وقد تَكون الحَرب المُقبِلة على قِطاع غزّة مُختَلِفة هذهِ المَرّة، لأنّها ستُحاوِل النّجاح حيث فَشِلت الحُروب الثَّلاث الماضِية، أي إضعاف حركة “حماس” ونَزع سِلاحها وربّما اجتثاث وُجودِها.

القِيادة الإسرائيليّة (بنيامين نتنياهو) الحاليّة المُطارَدة بتُهم الفَساد قد تُقدِم على هذهِ الحَرب لتَحويل الأنظار، وشِراء الوَقت، تمامًا مِثلما فَعل إيهود أولمرت بغَزو جنوب لبنان في تموز (يوليو) عام 2006، ولكن شن حَرب شيء، والفَوز فيها شَيءٌ آخر، فحَركة “حماس” عادَت إلى مِحور المُقاومة وباتت تَملُك حُلفاء أقوياء، وطَوّرت قُدراتِها العَسكريّة، وربّما يكون أداؤها في الحَرب في حال اشتعالها مُفاجأةً للكَثيرين.

ليبرمان يُمارِس كل أنواع الكَذب والتَّضليل عِندما يقول أن الجبهة الداخليّة الشماليّة غَير مُؤهّلة للحَرب، لأن الحَقائِق تقول غير ذلك، فإسرائيل تَخشى من قُدرات “حزب الله” الهُجوميّة، وتَرسانَتِه الضَّخمة من الصَّواريخ، مِثلما تخشى أيضًا من عواقِب أي هُجوم على سورية بعد إسقاط طائِرتها الـ “إف 16” والانتصارات الكَبيرة للجيش العربي السوري في جَبهات القِتال، وما يُؤكِّد هذهِ النّظرية أنّها لم تَشُن أيَّ غارةٍ على سورية مُنذ تاريخ إسقاط تِلك الطَّائِرة.

الوجود العسكري الإيراني موجود في سورية وكذلك نظيره الروسي، وإيران ستُصبِح دولةً نوويّة على غِرار ما فعلت كوريا الشماليّة، إذا ما انسحب ترامب من الاتّفاق النووي الإيراني في أيّار (مايو) المُقبِل، وتَهديدات ليبرمان سَمِعنا مِثلها الكثير، وسَتَظل جَوفاء فارِغة من أيِّ مَضمون.

شهر أيّار (مايو) المُقبِل الذي سيَشهد نقل السَّفارة الأمريكيّة إلى القُدس المُحتلّة، ومَسيرات العَودة الكُبرى التي تُخطِّط لها فصائِل المُقاومة احتجاجًا، وانسحاب أمريكا من الاتّفاق النووي، ربّما سَيكون من أكثر الشُّهور سُخونةً، وعلامةً فارِقة في الصِّراع العَربي الإسرائيلي.. والأيّام بيننا.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى