ليبيا وأردوغان.. الأوهام تسقط والحساب قادم
بنجاح كبير، يقوم الرئيس التركي أردوغان بتبديد كل ما بنته الدولة التركية على مدى عقود قبل أن ينفرد بحكمها، الأردوغانية جعلت الوهم باستعادة «السلطنة» يقود تركيا من أزمة إلى أخرى. المشهد الأخير من الألاعيب الأردوغانية مع السياسي الليبي السراج يكشف عن نظام فقد أي «بوصلة سياسية» لحركته، ولم يعد أمامه إلا التصرف كدولة خارج القانون، بعد أو أوصلته أوهام استعادة «السلطنة» إلى أن يجد نفسه في مواجهة العالم، وليس بجانبه من حلفاء إلا الإخوان وباقي الجماعات الإرهابية التي يدعمها، ومعها حكومتان أو ثلاث.
لم يكن هناك عاقل يمكن أن يتصور أن مصر ستقبل المساس بأمنها أو أنها مع دول الجوار ستقبل أن تتحول ليبيا إلى قاعدة تركية – إخوانية لنشر الإرهاب في المنطقة، ولم يكن هناك عاقل يمكن أن يتصور أن دول المتوسط ستقبل العبث التركي باستقرار المنطقة أو المساس بحقوقها في استغلال ثرواتها من الغاز أو الاعتداء على مياهها الإقليمية، ولم يكن هناك أيضاً من يتصور أن أوروبا ستقبل ابتزاز أردوغان، أو أن العالم سيترك المتوسط يتحول من مساحة للتعاون المشترك إلى ميدان لعربدة هذا المهووس بعودة السلطنة!
وحده يتوهم أنه سيكون سلطان البر والبحار على الطريقة العثمانية، هو القادر على أن يتوهم أنه يستطيع بتوقيع ورقة، أن يزعم الحق في اقتسام البحر المتوسط وفي استباحة شواطئ ليبيا وإضفاء الشرعية على تحويل ليبيا لمركز أساسي للإرهاب تابع للمركز الرئيسي في تركيا!!
لم تدرك الحماقة الأردوغانية أن هناك حدوداً لما مارسته من ابتزاز، ولم تفهم أن الدور الذي سمح لها بأن تلعبه في رعاية جماعات الإرهاب الإخواني – الداعشي كان جزءاً من مخطط أكبر سقط، وإن كان قد كلف المنطقة الكثير، وتصورت الحماقة الأردوغانية أن خطوتها سوف تعطيها أوراقاً عدة للمساومة في قضايا لم يعد ممكناً أن يكون فيها مجال لهذه المساومة!!
ورغم الموقف الحاسم في رفض الاتفاقيات الباطلة، فإن أردوغان تصور أن المضي في فكرته يمكن أن يكون إيجابياً بالنسبة له، وهكذا أرسل طائراته إلى المياه الإقليمية لليونان لتواجهها الطائرات اليونانية وترغمها على الفرار، ثم وقف يطلب من كل من يقوم بنشاط في مجال الغاز بشرق المتوسط أن يطلب منه شخصياً الإذن والسماح، وتعهد بأن يرسل القوات التركية إلى العاصمة الليبية طرابلس فور تلقيه الطلب من حكومتها التي لا تحكم شيئاً.
لم يدرك أردوغان أنه يضع الجميع أمام مسؤولياتهم إلا بعد أن رأى القوات البحرية المصرية تتقدمها حاملة الطائرات «ميسترال» والغواصات الحديثة تقوم بمناورة تدريبية في المياه الإقليمية المصرية، ثم بعد أن رأى بعد ذلك فرنسا وإيطاليا المختلفتين في مواقفهما تجاه ليبيا تتوحدان في مواجهة العبث الأردوغاني، وترسلان قواتهما البحرية لتشارك قبرص في مناورة هي رسالة أخرى تجسد ما أعلنه الاتحاد الأوروبي من تضامن كامل مع قبرص واليونان ضد أي عدوان تركي.
ولم يدرك أردوغان أنه بتصرفاته قد جعل إنهاء الوضع في طرابلس قضية لا تحتمل التأجيل بعد أن أراد باتفاقياته مع السراج أن يضفي الشرعية على التدخل التركي لدعم الميليشيات الإرهابية، وقد يحيل العاصمة الليبية إلى عاصمة لإرهاب لا يقتصر تهديده على ليبيا بل يمتد إلى كل دول الجوار.
لم تسعف الأردوغانية صاحبها، ليفهم أن قواعد اللعبة تتغير في المنطقة ومعها تتغير موازين القوى، ولا لكي يستوعب معنى التأكيدات الأمريكية عن استعداد الولايات المتحدة للعمل مع روسيا من أجل إنهاء الصراع في ليبيا، بل – على العكس – توهم أردوغان أنه يستطيع أن يكرر ما فعله في سوريا، وأن يجد مكاناً وسط صراعات روسيا وأمريكا أو تفاهماتها.
وربما كان اللافت هنا هو تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمام قادة أفريقيا في لقاء أسوان قبل أيام، ففي وسط كل هذه التطورات كان مهماً تأكيد الرئيس المصري على التوجه نحو حل سياسي شامل للمسألة الليبية خلال الشهور القليلة المقبلة.
الحل السياسي الشامل هنا يعني بوضوح استعادة الدولة الليبية وسيطرتها الكاملة على مقدراتها، والقضاء الكامل على بؤر الإرهاب التي ما زالت تعشعش في ليبيا، وإنهاء أي تدخل أجنبي بعد كل ما عانته ليبيا على مدى تسع سنوات، وترك مصير ليبيا في يد شعبها وحده وجيشها الوطني القادر على إنهاء حكم الميليشيات.
يبقى الكثير مما ينبغي أن يقلق أردوغان من الفشل الحتمي لحماقته في ليبيا والمتوسط، فالدعوة بدأت تتصاعد من أجل محاسبة كل نظم الحكم الداعمة للإرهاب باعتبار ذلك عاملاً أساسياً في استئصال هذا الوباء وقطع سبل الإمداد والتمويل عن أعداء الإنسانية.
وهنا ينبغي لأردوغان أن يقلق مع غيره من داعمي الإرهاب. وهناك أيضاً الحساب الداخلي من شعب تركيا الصديق الذي يدفع حالياً ثمن أوهام أردوغان التي بددت ما تم بناؤه في تركيا على مدى عهود من أجل هوس السلطان التائه باستعادة «الأيام العثمانلية» وانضوائه الآثم مع تحالف جعل تركيا أداة في يد الإرهاب الإخواني. الأوهام تسقط.. والحساب قادم.
ميدل إيست أونلاين