مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة

ينعقد في القاهرة يوم الاثنين القادم مؤتمر للمعارضة السورية، من المقرر أن يشارك فيه حوالي 230 مشاركاً، يمثلون معظم أطياف المعارضة بمنظماتها الكبيرة والصغيرة، باستثناء «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» الذي أعلن عن قراره قبل شهرين بعدم المشاركة، ولكن يشارك عشرات من أعضائه بصفتهم الشخصية كما أصر هو على القول. إلا أن هؤلاء المشاركين من «الائتلاف» يشكلون في الواقع كتلة واحدة ولها قيادة غير معلنة. وكانت فصائل المعارضة المشاركة في هذا المؤتمر قد عقدت لقاء في القاهرة في كانون الثاني الماضي، صدر عنه بيان تضمن عشر نقاط مثلت أفكاراً أساسية ومهمة تصلح إطاراً لأي مفاوضات مقبلة أو خريطة طريق أو تسوية محتملة. كما اختار اللقاء لجنة متابعة مهمتها التواصل مع فصائل معارضة أخرى، ومع حكومات معنية بالشأن السوري أيضاً، والإعداد لعقد مؤتمر موسع في القاهرة وتهيئة أوراقه وتسمية المشاركين فيه. وقد أعدت اللجنة مشاريع الأوراق وتوصلت لعقد هذا المؤتمر وسمت المشاركين واقترحت جدول أعمال، أهم ما فيه مناقشة اقتراح مشروع ميثاق وطني ومشروع خريطة طريق، واختيار لجنة لها مهمات المتابعة والتواصل بعد المؤتمر. وهذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها المعارضة السورية مثل هذه القرارات التي تحدد أهدافها وتؤ كد التنسيق بينها.

برزت خلافات وتباينات بين قوى المعارضة على أسماء المشاركين في المؤتمر، حيث كان يسعى كل تيار لاقتراح عدد كبير من أعضائه للمشاركة، حتى أن عدد المقترحين تجاوز 400 شخص. ومع أن قرارات المؤتمر ستتخذ بالتوافق لا بالتصويت، فقد كان غريباً إصرار بعض التيارات، خاصة الكبيرة منها، على زيادة عدد ممثليها. وبعد حوار ونقاش طويلين، توصلت لجنة المتابعة إلى تسوية مفادها أن يشارك في المؤتمر 230 عضواً يمثلون معظم تيارات المعارضة وشرائحها.

يواجه «مؤتمر القاهرة» محاذير عديدة وصعوبات محتملة أهمها الخشية من مزايدة بعض الأطراف على خريطة الطريق المقترحة وطلب إضافة أفكار متطرفة وشعارات واستعراض وتصريحات بعيدة عن الواقع، من شأنها إرباك أي محاولات لعقد تسوية أو تفاوض في المستقبل، وهي شعارات تصلح لمعارضين لا يسعون لتسوية وإنما يتوقعون انتصاراً مطلقاً وشاملاً و «كسر عظم». ومن الواضح أن الظروف الواقعية القائمة سواءً منها الداخلية أم الإقليمية أم الدولية لا تشي بإمكانية ذلك، وكلها تتجه إلى عقد تسوية متوازنة تحافظ على مؤسسات الدولة السورية وتمنع الفوضى في حالة سقوط النظام. وفي الوقت نفسه، هناك احتمال أن تطرح بعض الفصائل تعديلات على مشروع خريطة الطريق، تفقدها مضمونها وأهميتها وتجعلها تبدو وكأنها عملية تواطؤ بين المؤتمر والسلطة.

هناك مخاوف أيضاً من أن يطرح بعض المشاركين تشكيل جسم معارض بديل عن تيارات المعارضة القائمة، وأن يعتبر المؤتمر الميثاق الوطني وخريطة الطريق المقترحين هما برنامج الجسم المعارض المفترض، وأن يفوضه بأن يكون صاحب القرار السياسي للمعارضة كما يكون له الحق بالتفاوض مستقبلاً إذا ما حصل التفاوض.

مسألة أخرى هي الخشية من أن تزعم أجهزة الأمن المصرية أن السياسة المصرية ليست فقط راعية للمؤتمر وإنما أيضاً «صاحبة له» وتعطي لنفسها الحق بالتحدث باسمه والحلول محله، خاصة أن أجهزة الأمن عادة لا ترى بعيداً وتدور في دائرة مغلقة وتحاول تسويق نتائج المؤتمر على أنها من عملها هي، علماً بأن الحكومة المصرية لم تنفق على أي من تكاليف المؤتمر الذي تقرر أن يقوم أفراده بدفع ثمن بطاقاتهم وإقامتهم. كما أن هناك تحذيرات يطلقها بعض المشاركين خلاصتها وجود تنسيق بين الطرف المصري والطرف الروسي حول المؤتمر، ما يوحي بأنه سيكون مثل لقاءات موسكو، أي أنه لقاء تشاوري لا مؤتمر يُصدر قرارات ذات طبيعة استراتيجية. ويقول البعض أيضاً بوجود تنسيق ما، أو توافق ما بين السلطتين المصرية والسورية حول هذا المؤتمر، وبناء عليه سوف يسعى المصريون لإقرار بعض الأفكار التي طلبتها منهم السلطة السورية، علماً بأن وزارة الخارجية المصرية نفت نفياً قاطعاً بأنها ستتدخل في شؤون المؤتمر أو ستؤثر في توجهاته أو ستضغط لإقرار بعض الأفكار، ولم تكتف ببيان بهذا الخصوص، بل صدرت تصريحات من مسؤولين رسميين في وزارة الخارجية بهذا المعنى.

لقد أثار الانتباهَ وشَكَّلَ تأثيراً سلبياً في المؤتمر إعلانُ المملكة العربية السعودية بأنها ستعقد مؤتمراً للمعارضة السورية في الرياض، ما دعا بعض المراقبين والمحللين والمشاركين إلى التساؤل عن فائدة مؤتمر القاهرة، وهو لا يملك لا القرار الداخلي ولا المعارضة المسلحة ولا المال ولا الدعم الإقليمي والدولي، على عكس مؤتمر الرياض الذي يسعى لتشكيل هيئة تمتلك القرار السياسي وتكون رهن طاعتها، إضافة إلى أن للسعودية قوى معارضة مسلحة في الداخل، ويمكنها في الخلاصة الاعتماد على هذه القوى وعلى الهيئة المعارضة المحتملة وعلى التأييد الإقليمي والدولي وتسويق أي حل تريده. وهذا ما لا يتوفر (لمؤتمر القاهرة). ويرد مشاركون في المؤتمر بأنه يمثل المعارضة السورية الحقيقية ولا يرتهن لموقف أحد، وبالتالي سيشكل إطاراً لمصالح الشعب السوري. ويؤكدون أن مؤتمر الرياض المحتمل سوف يتبنى قرارات مؤتمر القاهرة، وفي الحالات كلها لا يرون تعارضاً بين الاثنين. وعلى أي حال، فإن المشاركين يحاولون أن تكون قراراته جامعة وشاملة وواقعية وتتخذ بملء المسؤولية الوطنية وتأخذ مصالح الشعب السوري بعين الاعتبار بعيداً عن المغامرات وعن التخاذل والتواطؤ، وتقع ضمن همومهم المحافظة على مؤسسات الدولة السورية لئلا تتكرر الحالة الليبية.

وقد جاء في مشروع الميثاق الوطني المقدم للمؤتمر أنه مؤسس لمقومات الخيار السياسي الوطني المتمثلة في الحفاظ على وحدة سوريا أرضا وشعبا، وتأكيد استقلالها واحترام سيادتها، والحفاظ على الدولة السورية بكامل مؤسساتها من خلال تنفيذ «بيان جنيف» الصادر عن مجموعة العمل الدولية لأجل سوريا بتاريخ 30 حزيران 2012.

كما جاء في مشروع خريطة الطريق المقدمة أن أمد الصراع في سوريا قد طال إصرار السلطة على إنكار الحركة الشعبية ومطالبها المشروعة بالحرية والكرامة، واختزالها لما يجري بالمؤامرة والرد الأمني العسكري عليها. وتردد، بل تخبط المجتمع الدولي، في إيجاد حل للأزمة السورية. وأضاف مشروع خريطة الطريق أن القضية السورية دخلت في مراحل متصاعدة من التعقيد والعسكرة والتدخلات المختلفة الأشكال التي حولت البلاد الى ساحة صراع إقليمي ودولي ملوث بالعنف والمذهبية، فيما يُهَدَّد وجودُ الكيان السوري والمنطقة. ومع استحالة الحسم العسكري لأي طرف، تقودنا الصراعات المسلحة نحو السيناريوهات الأشد ظلامية، التي تجعل من سوريا كدولة وشعب الخاسر الأكبر. وأضاف أيضاً: ينطلق تصورنا من استحالة الحسم العسكري وأن الحل السياسي التفاوضي هو السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا. ويجري هذا التفاوض بين وفدي المعارضة والحكومة برعاية الأمم المتحدة ومباركة الدول المؤثرة في الوضع السوري. ويبرم الوفدان اتفاقاً يتضمن برنامجاً تنفيذياً لبيان جنيف، ووضع جدول زمني وآليات واضحة وضمانات ملزمة للتأكد من التنفيذ. هذه الضمانات والالتزامات تشمل دول الإقليم وتكتسب وتنال شرعيتها من مصادقة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بقرار ملزم من المجلس.

كما تضمنت خريطة الطريق الخطوات المقترح اتباعها للوصول إلى حل تفاوضي بين السلطة والمعارضة يهدف لإقامة نظام ديموقراطي تعددي تداولي، آخذاً باعتباره تبني معايير الدولة الحديثة أي مرجعية المواطنة والحرية والديموقراطية والمساواة والمشاركة والعدالة وفصل السلطات وغيرها.

وأخيراً، يبدو أن القائمين على المؤتمر يعولون على أن تكون خريطة الطريق هذه مضافة إلى الميثاق الوطني أساساً لأي حل محتمل، كائنة من كانت الجهة الفاعلة في هذا الحل.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى