مؤتمر جنيف .. توازن الضعف وتعدد المطالب (حسين العودات)
حسين العودات
وأخيراً عقد مؤتمر جنيف الخاص بالمعضلة السورية، دون أن يصدر عن أي مشارك فيه أو مهتم أو ذي علاقة، مجرد تلميح عن تفاؤل ولو جزئي أو محدود يشير إلى أن المؤتمر سيضع الأزمة السورية على طريق الحل.
بل يرى عديدون أن المؤتمر سيتحول إلى مجرد حراك سياسي أو دبلوماسي لا يرجى منه شيء جدي يساعد على إنهاء معاناة السوريين، ولن يستطيع وضع خارطة طريق متوازنة وواقعية يوافق عليها الجميع، وصولاً إلى حل عادل وشامل للأزمة.
لأنه ليس لأحد من الفرقاء المشاركين السوريين والعرب والأجانب القدرة على اتخاذ قرار وفرضه على الجميع، وعلى ذلك، من المتعذر، وفق الظروف الحاضرة، إيجاد الشروط الموضوعية للسيطرة على الأزمة ثم توجيهها نحو الحل النهائي.
خاصة وأن الأطراف المشاركة لها أهداف ومصالح متناقضة في كل شيء تقريباً، وهذا ما يجعل المؤتمر ساحة لتصادم المصالح، وميداناً لحوار يشبه حوار الطرشان، دون توافر ظروف واقعية حاسمة، كي "يقتنع الجميع" بضرورة التوافق أو فرضه عليهم.
أعلنت السلطة السورية قبل انعقاد المؤتمر بأيام وبمختلف الوسائل (الدبلوماسية والإعلامية) أنها لا ترى في المؤتمر إلا وسيلة لوضع خطة للتعاون بينها وبين المعارضة والدول الأخرى لمكافحة الإرهاب، دون أن تتعرض إلى أي هدف آخر، سواءً ما يتعلق بإصلاح النظام السياسي ومستقبله، أو بقضايا المعتقلين والمفقودين، والمناطق المحاصرة والمهجرين…
وجاء بعض هذه التصريحات والإشارات على لسان الرئيس بشار الأسد نفسه، وخاصة ما يتعلق منها برفض مهمة تشكيل هيئة حكم لها كامل الصلاحيات، وعدم قبول مشاركة أي من أعضاء المعارضة الخارجية في أي حكومة، وأكد بصيغة ما أنه سيرشح نفسه لولاية ثالثة بعد أربعة أشهر عندما تنتهي ولايته الحالية.
وهذا كله يشير إلى أن النظام السوري في واد آخر لا يلتقي البتة مع أي قرار من قرارات مؤتمر جنيف1.
رغم أنه يشارك بالمؤتمر وهو منهك اقتصادياً وسياسياً، ويواجه مقاطعة عربية ودولية خانقة، ولم يستطع حسم الصراع عسكرياً ضد فصائل المعارضة المسلحة التي تسيطر على مناطق حيوية من البلاد.
رغم استعانته بميليشيات أجنبية لإيقاف تراجعه العسكري دون نجاح، ولولا الدعم الإيراني المتعدد الجوانب، والدعم الروسي السياسي والعسكري، لتراجع هذا النظام، وربما لخسر منذ وقت طويل أمام المعارضة السورية .
شاركت المعارضة السورية في المؤتمر بوفد شكله الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، لا يضم أحداً من فصائل المعارضة الداخلية، وما أكثرها، ولا أحداً من المجلس الوطني الذي انسحب من الائتلاف قبل يومين من انعقاد المؤتمر.
كما رفض المشاركة فيه ثلث أعضاء هيئة الائتلاف، ولم تؤيد معظم فصائل المعارضة المسلحة الذهاب إلى جنيف، وهكذا بقي الائتلاف بكليته يتشكل من الإسلاميين ومن ديمقراطيين وأفراد معارضين كان معظمهم في الخارج قبل اندلاع الثورة، ويصعب الاقتناع أن الوفد المفاوض، بتشكيلته الحالية، يمثل المعارضة السورية أو الشعب السوري تمثيلاً كاملاً.
بل أصبحت مشروعية تمثيله يشوبها بعض الشك، وقد طالب الائتلاف بإعفاء الرئيس من صلاحياته وإسقاط النظام ورموزه، وإخراج المعتقلين، والاعتراف بالمفقودين، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة.
هذا فضلاً عن مطالبته بتشكيل هيئة حكم لها صلاحيات كاملة تشريعية وتنفيذية وتحديد مهماتها بوضع دستور جديد وإصدار قوانين للأحزاب والانتخابات وإعادة هيكلة الجيش وقوى الأمن وغير ذلك، وهذه المطالب متناقضة مع رؤية النظام وصعبة التحقيق في الظروف القائمة حالياً، وتحتاج لقوة راجحة (عسكرياً على الأرض وسياسياً على النطاق الدولي لتفرضها عليه.
لا يقتصر الضعف وسعة المطالب على الطرفين السوريين فقط، لأن كلاً من الراعيين الأميركي والروسي لا يملك القدرة على ترجيح رأيه ووجهة نظره، وكل منهما يهادن الآخر ليحصل على موافقته لتحقيق شيء من مصالحه، ولم يعد للدول الأوروبية، وأعني فرنسا وبريطانيا، تلك القدرة أو النفوذ اللذين يؤهلانها لترجيح موقف على آخر، وكذلك الدول العربية.
في المحصلة، هناك توازن ضعف بين الجميع وافتقاد أي منهم القدرة على الحسم، ما سيؤدي إلى إطالة مدة المؤتمر، لا لأشهر فقط، بل ربما لسنوات، يتحول خلالها إلى مبارزات كلامية، وعنتريات وتصريحات ومناورات وغيرها، لا جدوى حقيقية لها.
وربما يكون على الشعب السوري أن ينتظر أشهر وسنوات حتى يرى الضوء في آخر النفق، هذا إن رآه، بعد أن دُمرت دولته ومؤسساتها ونسيجه الاجتماعي واقتصاده وثقافته.
تنبغي الإشارة إلى فائدة واحدة من عقد هذا المؤتمر؛ وهي أن عقده يؤكد قناعة جميع الأطراف السورية والإقليمية والدولية (ما عدا السلطة السورية) بصعوبة الحل العسكري، وبالتالي أصبح الحل السياسي هو الطريق الوحيد المتبقي، أما السلطة السورية فما تزال تعتقد بإمكانية الحسم العسكري.
قد يكون المؤتمر بالنسبة إلى الدول الكبرى محاولة لإنقاذ ماء الوجه بعد أن بدأت تشعر بتقصيرها اتجاه الشعب السوري، وبأخطائها في مواجهة أزمته ومساهمتها في تأخير حلها، حتى ازدادت تعقيداً وجعلت من سوريا ميداناً لصراع دولي على أرضها.