منذ أن تأسست «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي» في سوريا، وهي تعرج على مستوى التسويق وتحقيق الربح! فعلياً كانت المرّات التي تبيع فيها منتجاتها لفضائيات عربية عن طريق سماسرة يبتلعون من الأرباح أكثر من حصّة الجهة الحكومية. هكذا، ارتأت الإدارات السابقة خفض الميزانيات، والابتعاد عن النجوم «الحيتان» الذين يقتطعون بأجرهم نصف الميزانية، على اعتبار أنّ أسماءهم لم تقدّم قبلاً أي شيء على مستوى التسويق.
ثم قرّرت أن تنجز أكبر قدر من الأعمال ولو بيعت إلى المحطات السورية فقط، على أمل أن يكون مردودها أفضل من المراحل السابقة، وتشغّل تلك الأعمال أكبر قدر من الشباب أو المهمّشين والمتقاعدين ليس بمنطق خيري، إنّما بذريعة تبنّي الجهة الحكومية لكلّ من فقد فرصاً يستحقها فعلاً! الخطة لم تنجح وتحوّلت المؤسسة إلى مكان مترهّل كما غالبية المؤسسات الإعلامية الرسمية، خاصة خلال فترة تولي عماد سارة وزارة الإعلام! مع التغيير الوزاري الأخير، أسندت حقيبة الإعلام لبطرس الحلاق، فعيّن بدوره إدارة جديدة للمؤسسة على رأسها أحمد الخضر.
الرجل درس الإخراج وتعلّم في جامعات أجنبية، قرر أن يبدأ بصيغة مختلفة ويستعيد مكانة المؤسسة في خارطة الدراما الرمضانية، فكانت باكورة إنتاجاته لهذا العام مسلسل «الفرسان الثلاثة» (كتابة محمود الجعفوري وإخراج علي المؤذن بطولة: أيمن زيدان وجمال العلي وجرجس جبارة وفادي صبيح..). ينطلق العمل من البحث في أحوال الناس الاقتصادية وظروفهم المعيشية القاسية، ويتطرق ربما للمرة الأولى في تاريخ الدراما السورية إلى شريحة من الرجال ممن دخلوا سنّ التقاعد، ومحاولاتهم الجادة للبقاء مؤثرين وفاعلين في الحياة، وبحثهم الحثيث عن مصادر دخلهم ودعم عائلاتهم، مع رصد مفارقة أنهم وصلوا إلى مكان يحتاجون فيه إلى الراحة.
الملفت هو الإشادة بالسوية الانتاجية والأجور المنطقية لدى غالبية من عمل في هذا المسلسل، خلافاً لما كان الوضع عليه سابقاً. وبعيداً عن هذا العمل الذي سيكون حاضراً على الشاشات في شهر الصوم، يؤكد مدير مؤسسة الإنتاج التلفزيوني أحمد الخضر لنا بأنه سيدخل مجال إنتاج المسلسلات القصيرة اعتباراً من الموسم المقبل، وبأنه في صدد اختيار نصوص مناسبة لهذا النوع المعاصر ويضيف بالقول: «بالنسبة لموضوع إنتاج المسلسلات القصيرة سواء عشاريات أو خماسيات أو سباعيات، هو هدف أكيد وضروري لأنه المستقبل الوحيد للدراما ويحقق انتشاراً واسعاً وسيكون هو السوق الوحيد بعد وقت قريب. نحن نحاول بذريعة رغبتنا العميقة البقاء في مطرح معاصر ونجرّب التحرر من حالة الوقوف في المكان وإنتاج ثلاثة مسلسلات ثلاثينة كل عام وانتهى الأمر.
العمل الثلاثيني مطلب شعبي عربي مرتبط بشهر رمضان فقط، لكن منطق الإنتاج صار مختلفاً. يمكننا القول بأننا نستعيد مكانتنا في سوق المنافسة الثلاثيني هذا العام ولا بد من أن ننجز أعمالاً قصيرة بقيمة فنية عميقة ولاحقاً يمكن التفكير بآلية تسويق متماسكة تضمن لنا دخولاً موفقاً إلى عالم المنصات». من ناحية ثانية، يوضح الخضر بأن «المسلسل قصير ميزته أنه مكثّف ومشوّق غالباً، من دون الوقوع في مطب المسلسلات الطويلة التي تضطر للثرثرة وحشو مشاهد ليس لها أي مبرر سوى تطويل العمل. هذا ما يجعل الصعوبة بالغة في عملية اختيار النص، وهو ما نعانيه حالياً بصيغة تنافسية في الموسم المقبل»