لا تزال فرص تصاعد الخلافات الداخلية في “دولة” الاحتلال آخذة في التزايد في ظل فشل المفاوضات بين الائتلاف الحكومي والمعارضة، على خلفية عودة بنيامين نتنياهو وائتلافه الحكومي بصورة منفردة إلى تمرير الإصلاحات القضائية، التي يهدف من خلالها إلى تمرير السيطرة على السلطة القضائية، والتخلص من محاكمته.
على الرغم من التحذيرات، التي صدرت مؤخراً عن المستوى العسكري وبعض المفكرين والسياسيين في “دولة” الاحتلال، من خطورة الخلافات الداخلية على نحو يهدد مستقبل الكيان، فإن المراقب للمشهد يدرك أن نتنياهو وائتلافه الحكومي مندفعان، خلال فترة الدورة الصيفية للكنيست الإسرائيلي، إلى تمرير القوانين التي تمكّنهما من السيطرة على القضاء بغض النظر عن موقف المعارضة.
كل المؤشرات، التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة، تشير إلى أن الصدام بين المعارضة و الائتلاف الحكومي يتنامى، في ظل حشد كبير متوقع للمعارضة، يستند إلى موقف داخلي من الجيش والقدرة على التأثير في الاقتصاد، وخارجي من الإدارة الأميركية، التي ترفض توجهات السيطرة على القضاء من جانب نتنياهو وائتلافه.
في المقابل، ترى الأحزاب اليمينية، التي يتشكل منها الائتلاف، أن الفرصة سانحة حالياً لتمرير الإصلاحات، وأنه يجب استغلال الفرصة الحالية لأن فرصة حصول اليمين على حكومة مثل الحالية أمرٌ مشكوك فيه مستقبلاً. ولهذا السبب، إذا ذهب اليسار إلى حركة ضغط كبيرة من أجل منع تمرير الإصلاحات القضائية، فستجد الأحزاب اليمينية نفسها مضطرة إلى سيناريو لمّح إليه زعيم الصهيونية الدينية، إيتمار بن غفير، يقضي بنزول الجمهور اليميني أيضاً إلى الشارع من أجل مواجهة الضغوط التي يمارسها اليسار.
“الخطير” في هذه المرة أن التظاهرات ستتفجر خلال الفترة القريبة، كما حدث في شهر مارس/آذار الماضي، وعلى نحو موسّع، نظراً إلى أن خيارات نتنياهو في هذا الأمر محدودة، ويريد أن يحقق أي إنجاز أمام جمهور اليمين، في ظل فشله في تحقيق إنجاز في ملف التطبيع، أو ملف البرنامج النووي الإيراني، أو المخاطر المتنامية ضد “دولة” الاحتلال، في مختلف الجبهات.
ولهذا السبب، فإن نتنياهو لديه في الفترة الحالية تركيز عالٍ على تمرير الإصلاحات القضائية، مستعيناً بالضغوط التي يمارسها عليه أعضاء الائتلاف الحكومي، الذين يريدون أيضاً تحقيق إنجازات في ملفات القضاء والاستيطان والموازنات. وعلى المستوى الخارجي، فإنه يرى أن موقف الإدارة الأميركية بشأن الضغط عليه ضعيفٌ في ظل تهديده المتواصل بأنه سيفتعل حرباً في المنطقة على عكس الإدارة الأميركية، وهو يرى أن مقايضته للأميركيّين (الهدوء في المنطقة في مقابل تمرير التعديلات القضائية) سيكون ناجحاً.
أمّا المعارضة فوجدت أنها تعرضت لخديعة من جانب نتنياهو مرة أخرى، في قضية اختيار أعضاء لجنة اختيار القضاة، بعد أن قرر نتنياهو عدم التصويت لمرشح المعارضة. وعلى الرغم من من أن مرشح المعارضة فاز في التصويت داخل الكنيست بصورة مفاجئة، فإن المعارضة تأكدت من أن نتنياهو ما زال ذاهبا نحو الغدر واتخاذ خطوات فردية. لذا، فإن المفاوضات، التي تجري منذ أسابيع في منزل رئيس الكيان يتسحاق هرتسوغ، لا يمكنها أن تُوجد حلاً أو إلزاماً لنتنياهو. وعليه، يجب استخدام الضغط الجماهيري ضده.
فعلياً، سيبدأ نتنياهو، خلال الأسابيع المقبلة، “خطوات عملية مدروسة لإصلاح القضاء”، بحسب وصفه، محمّلاً قادة المعارضة مسؤولية فشل المحادثات التي هدفت إلى التوصل إلى حل، في حين هددت المعارضة نتنياهو، في حال شروعه في تلك الإجراءات، بأنه سيفقد الأغلبية في الشارع والكنيست.
مؤشرات تصاعد الخلافات
هناك عدد من المؤشرات، التي ظهرت مؤخراً، وتفيد بأن الخلافات بين الطرفين ذاهبة إلى سيناريوهات معقدة كما حدث في الأشهر الماضية، إذ تبادل نتنياهو وأطراف المعارضة الاتهامات بإفشال المفاوضات. وقال نتنياهو إن “رئيس حزب “المعسكر الرسمي” المعارض، بيني غانتس، ورئيس المعارضة زعيم حزب “هناك مستقبل”، يائير لابيد، كانا يلعبان لعبة”، محمّلاً إياهما المسؤولية عن فشل المحادثات، إذ لم يوافقا على الحد الأدنى من التفاهمات، وكان هدفهما احباط كل تعديل للنظام القضائي، على حد وصف نتنياهو.
وردّت أطراف المعارضة بتهديد نتنياهو بأنه إذا ذهب وحده نحو ما سمَّته “الانقلاب السلطوي”، فإنه سيجد نفسه رئيس وزراء لنصف الشعب، وأقل من نصف الاقتصاد ونصف الأمن، وأقل من نصف الكنيست، في إشارة إلى تحركات واعتراضات ستُنفَّذ ميدانياً وفي الاقتصاد والجيش والكنيست.
وقالت الحركات المنظمة للاحتجاجات ضد خطة السيطرة على القضاء إن “تهديدات نتنياهو للنظام القضائي ستقابَل برد ملائم، وسنقود تظاهرات وإضرابات ستؤدي إلى فشل أي محاولة للإضرار بالنظام القضائي والديمقراطية”.
وضمن مؤشرات عودة الخلافات بين الطرفين، نفذت المعارضة خلال الأسبوعين الأخيرين عدة تظاهرات مندّدة بخطة نتنياهو القاضية بالسيطرة على القضاء، بينما يستعد قادة الحركات المنظمة للاحتجاج لتصعيد تدريجي للتظاهرات خلال الفترة الحالية، في حين ستذهب إلى تحركات كبيرة مشابهة لما حدث في آذار/مارس الماضي، إذا بدأ الائتلاف الحكومي تمرير أي من الخطوات، بصورة أحادية.
سيناريوهات تصاعد الخلافات
خلال الفترة الحالية، يوجد عدد من السيناريوهات للخلاف بين الائتلاف الحكومي والمعارضة في “دولة” الاحتلال، والتي تتراوح بين التوصل إلى اتفاق يتراجع من خلاله نتنياهو وائتلافه عن تنفيذ مخططهم والتوصل إلى نقاط اتفاق برعاية رئيس الكيان، وهو وارد بصورة ضئيلة، أو الذهاب إلى سيناريو انتخابات خامسة مبكّرة، وهو مستبعد، وبين توجه نتنياهو وائتلافه إلى تمرير التعديلات القضائية منفرداً مهما كان الثمن، وهو ما تشير المؤشرات إلى اقترابه.
السيناريو المرجح خلال الفترة الحالية يتمحور حول ذهاب نتنياهو إلى تمرير الإصلاحات القضائية بصورة منفردة، بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى، مستنداً إلى فشل المباحثات مع المعارضة في منزل رئيس الكيان. ويدعم موقف نتنياهو في هذا السيناريو موقف الأحزاب اليمينية التي يتشكل منها الائتلاف الحكومي، بالإضافة إلى موقف أطراف داخل الليكود، مثل وزير القضاء ياريف ليفين، والذي يفيد بعدم وقف التشريع القضائي أو تجميده. وقد يدعم هذا السيناريو تحرك اليمين على الأرض خلال الفترة المقبلة، وقد يكون تحرك منظمات اليمين على الأرض خلال الفترة المقبلة دليلاً على نية نتنياهو السير وفق هذا السيناريو.
يستند هذا السيناريو إلى الأهمية الاستراتيجية للتشريع المتعلق بالتعديل القضائي، وفق وجهة نظر اليمين، والتي تفيد بأنه آن الأوان لأن يتم سن قوانين تكون أساساً وتمهيداً لدستور إسرائيلي يميني ديني.
قبل تنفيذ هذا السيناريو نجد أن نتنياهو سيسعى خلال الفترة الحالية لتبهيت التظاهرات وجدواها، وشقّ صف المعارضة عبر محاولة فتح قنوات اتصال ومفاوضات مع أطرافها.
الخلاصة: إن كلّ المؤشرات في الوقت الحالي تشير إلى أن نتنياهو يسعى لتهيئة الأوضاع لتمرير السيناريو المتعلق بتمرير السيطرة على القضاء، عبر المقايضة مع الإدارة الأميركية، ومحاولة شق صف المعارضة، وتبهيت التظاهرات وجدواها، ومنع استخدام ورقة الاقتصاد والجيش ضده. وفي هذا الإطار، نجح في بعض الملفات، وفشل في أخرى. ولهذا السبب، ما زال سيناريو تفجر الخلافات بصورة عميقة مطروحاً ضمن قراءة المشهد الكلي للوضع السياسي في “دولة” الاحتلال.