مائة عام على ولادة البير كامو (د. سليم نزال)

 

 

د. سليم نزال

اظن اني لا ابتعد كثيرا عن الحقيقة ان قلت ان ألبير كامو كان من اهم فلاسفة القرن العشرين تأثيرا. من (اسطورة سيزيف) الى( الطاعون) الى( الغريب) المثقلة بالاسئلة الوجودية، نجد انفسنا في قلب فكر التمرد لدى كامو حيث الاسئلة الكثيرة حول الوجود الانساني وحول المفاهيم الكبرى مثل الحرية .. الخ.
اسئلة تدور حول الشقاء الانساني الذي انشغل به كامو الذي يعبر عنه في اسطورة سيزيف اليونانية التي تمثل صعود سيزيف الى الجبل وما ان يصل اليه حتى يسقط لكي يعود ثانية وهكذا دواليك.. وهكذا هو فكر كامو خليط من التمرد والعبثية.
وربما البحث عن التماسك او عن مرجعية ما في ظل هذه العبثية, لان حياة الانسان كما يراها كامو هي شقاء متواصل لا بد من مقاومته وبالتالي ان يموت وهو في حالة تمرد على كل شيء. وقد قرأ وعلى الاغلب تأثر بفكر الفيلسوف الالماني شوبنهاور الذي عرف بفلسفة التشاؤم حيث رأى الوجود كله عباره عن شر وغياب تام لفكرة السعادة.
على خلاف سارتر صديقه اللدود, كان كامو من اسرة فقيرة ولد في الجزائر من اب فرنسي وام اسبانية لا تعرف القراءة وتعمل في تنظيف بيوت الاغنياء من المستوطنين الفرنسيين في الجزائر.
انضم كامو للمقاومة الفرنسية عام 1942 وكان يحرر صحيفة (كومبا) اي الكفاح السرية. كما كان له مواقف ضد الشمولية الستالينية.
لكن يبدو ان كامو رغم فكره المشبع بالتمرد وتعاطفه مع الشعب الجزائري, لم يصل لمرحلة يؤمن فيها تماما بحق الجزائر في بناء مستقبل بعيدا تماما عن فرنسا. الامر الذي جعله يصمت في اواخر حياته عن الادلاء برأيه في هذه القضية التي قسمت النخب الفرنسية يومها. لكني اعتقد انه لو عاش عامين فقط ليرى استقلال الجزائر عام 1962 لكان على الاغلب من أول المرحبين به.
كان كامو يعيش في زمن لم يكن الغرب قد وصل فيه لمرحلة يتنازل فيه عن (الايغو الاثنى) وكان الغرب (وربما ما زال الى حد ما) يتحدث بلغتين: لغة الديموقراطية لشعبه وممارسة سياسة الغاء حق الاخرين ان يعيشوا بحرية ويقرروا حياتهم بعيدا عن المركزية الغربية.
لكن كامو كان يجد نفسه دوما في صف العدالة (ان منطق التمرد هو الرغبة في خدمة العدالة كي لا يزيد في ظلم الوضع .. والسعي الى الكلام الواضح كي لا يُكثف الكذب العام) وهي جملة تذكرنى بجملة جورج اورويل الرائعة (في زمن الخداع العام يصبح قول الحقيقه عملا ثوريا!).
في مسرحيه كاليجولا التي يبدع فيها كامو ويصور ملامح الشخصية المريضة للامبراطور الروماني الذي كان يملك خيالا رهيبا يتفنن من خلاله في كيفية القتل حيث يقول كامو على لسان الامبراطور (لا ارتاح الا بين الموتى!) وفي جملة اخرى يتماهى الامبراطور تماما مع الموت القاتل ليعلن انه الطاعون نفسه الذي يقتل البشر!
وفي رواية "الغريب" لم تكن فقط عن ذلك الاوروبي الذي قتل ولدا عربيا على شاطى بحر الجزائر، بل ربما اعلانا من كامو على تمرد عام ورفض لكل الحدود الوهميه التي تربط البشر. فقد عاش زمن الحرب الثانية عندما كانت جثث الاصدقاء والاعداء بالملايين تنتشر رائحة الموت في عموم القارة. في زمن باتت فيه اوروبا ارض خراب حسب قصيدة ت. س. اليوت المشهورة. كان ربما موقفا حاسما ضد النيتشوية والهيجيلية اللتين تمجدان ثقافة القوة. وبلغ هذا التمجيد ذروته عندما وصلت سنابك خيول نابليون اوروبا وأعلن هيغل (نهاية التاريخ).
وربما فكر كامو بنفسه كغريب وهو يكتب هذه الرواية. فقد كان يعرف ان مرض السل قد لا يمهله كثيرا. وكان عليه ان يكتب بسرعة وهو مدرك لعبثية الحياة في ظل موت قد يأتي في اي لحظة!

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى