بعد العربدة والعنتريات اللتين ميّزتا بدء الحرب على غزّة، ووضع سقفٍ عالٍ من التوقعات لنتائج العدوان، الذي شنّته إسرائيل ضدّ قطاع غزّة، بدأ العديد من الأساتذة والمُختّصين والمُحللين بخفض سقف التوقعات وإظهار “التواضع” في كيفية انتهاء العدوان على غزّة، علمًا أنّ قادة الكيان كانوا قد أعلنوا في البداية بعد هزيمة السابع من أكتوبر بأنّ هدفهم سيكون القضاء على (حماس) وتحرير جميع الرهائن الذين أسرتهم الحركة في عملية (طوفان الأقصى)، وهما هدفان لم يتحققا حتى اللحظة.
وهذا التحوّل ليس صدفةً، بل هو نتيجةً مباشرةً لما يحصل على أرض الواقع، فحماس، وبشهادة الإسرائيليين، ما زالت تُطلِق الرشقات الصاروخيّة باتجاه مركز الدولة العبريّة وتُوقِع الخسائر في صفوف جيش الاحتلال، أمّا بالنسبة للرهائن، فلم تتمكّن تل أبيب من تحرير رهينةٍ واحدةٍ بعد مرور مائة يومٍ على بدء العدوان الغاشم.
رأى البروفيسور في جامعة حيفا، أوري بار يوسيف، أنّ رصيد الإخفاقات الإسرائيليّة تؤكِّد بما لا يدعو للشكّ بأنّ نظرية الأمن لدولة الاحتلال فشلت فشلاً مدويًا، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّه مرّةً بعد مرّةٍ تخفق المخابرات في الكيان، وأنّ الحرب تجري الآن على جبهتيْن، فيما يتعرَّض العمق الإسرائيليّ لهجومٍ غيرُ مسبوقٍ منذ ثلاثة أشهر، ولذا يتحتَّم على صُنّاع القرار البحث عن حلولٍ أخرى لمواجهة هذا الوضع، كما أكّد في مقالٍ نشره بصحيفة (هآرتس) العبريّة.
وتابع البروفيسور المُختَّص بالشؤون الأمنيّة “أنّه في عهد زادت فيه التهديدات بشكلٍ كبيرٍ وباتت متنوعةً، فإنّ الرؤية الأمنيّة القائمة على القوّة العسكريّة لا يُمكنها بأيّ شكلٍ من الأشكال أنْ تمنح الأمن، فإسرائيل تُواجِه اليوم (الإرهاب) الفلسطينيّ، قذائف وصواريخ (حزب الله) والتهديد النوويّ الإيرانيّ، وفي قسمٍ من هذه التهديدات يتمكّن الجيش في منح الردّ الكافي، ولكن في القسم الآخر لا يتمكّن، وحتى أنّ الردّ الجزئيّ على هذه التهديدات ليس كافيًا”.
وخلُص البروفيسور بار يوسيف إلى القول إنّ “المفهوم الأمنيّ الإسرائيليّ، والذي بدأ مع قيام الكيان في العام 1948، أيْ قبل 75 عامًا، والذي صبّ جُلّ اهتمامه على التفوّق العسكريّ أعلن إفلاسه، ذلك أنّ ما ينقصه هو العامِل السياسيّ، الذي يهدِف لتقليص الحافز لدى الدول العربيّة لمواجهة إسرائيل عسكريًا، وهذا الأمر يعني عدم الاتكال الإسرائيليّ على الردع، ذلك أنّه منذ العام 1967 نرى مرّةً بعد مرّةٍ أنّ الردع يفشل، وأنّ جيش الاحتلال لا يتمكّن من حسم المعركة لصالحه، ولذا إذا استمرّ الوضع على ما هو فإنّه رغم قوّتها العسكريّة، فإنّ إسرائيل تتخلّى عن أمنها”، كما قال.
في السياق، واصل المعلق السياسيّ البارز، ناحوم برنياع، التأكيد على استحالة تحقيق انتصار في الحرب على غزة. وفي مقال نشرته (يديعوت أحرونوت)، بعنوان (العيش مع الخسارة)، يعلّل بارنياع رؤيته بالقول: “كيفما نقرأ التقارير الصحافيّة عن صفقة لاستعادة المخطوفين بوساطةٍ قطريّةٍ، مصريّةٍ أوْ أمريكيّةٍ، فإنّها تدلّل على أنّ الجانب الإسرائيليّ بدأ التسليم بالنتائج المحدودة للحرب”.
ومضى قائلاً: “بحسب معلوماتي، لم تتمّ صفقة بعد”. لكنّه أوضح أنّ الصفقة المقترحة تلك تتضمن “وقف إطلاق النار لثلاثة أشهر، والتنفيذ يكون متدرّجًا، ويشمل الإفراج عن كلّ الأسرى، الأحياء والأموات، وعلى دفعات”، بينما في المقابل “يجري إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين، ومن المرجح أنْ تلبّي الصفقة المقترحة طلبات أخرى، مثل زيادة كبيرة في المعونات الإنسانيّة، وعودة الغزّيين الى ديارهم في شمال القطاع، وانسحاب الجيش الإسرائيليّ، وإقامة مديرية لترميم القطاع بتمويلٍ دوليٍّ، والأفظع هو شراكة حماس في السلطة الحاكمة في غزة مستقبلاً”، على حدّ تعبيره.
من ناحيته، رأى مُحلِّل الشؤون العسكرية في صحيفة (هآرتس) العبريّة، عاموس هريئيل، أنْ “تستمرّ الحرب أيامًا كثيرة، رغم أنّها بعيدة عن تحقيق أهدافها المعلنة، وربما بسبب ذلك”.
وتابع هرئيل إنّ “إسرائيل احتلّت وتسبّبت بمعاناةٍ كبيرةٍ للمدنيين الفلسطينيين، لكنّها لا تقترب من انتصارٍ حاسمٍ”. كما أنّه “من الصعب إخفاء ذلك، لأنّ الجيش يقف في ذروة عملية تقليل قوّاته داخل القطاع، وهذا يعكس الانتقال إلى مرحلةٍ جديدةٍ من الحرب، وهذا ما حاولت الحكومة التستّر عليه، وجعل صورة الانتقال هذه غامضة بعيون الإسرائيليين”.
ولفت المحلل إلى أنّ “حماس بنت قوّةً عسكريّةً تشبه بهياكلها الجيش النظاميّ. وعندما تفكّك معظمها، انتقلت إلى طريقة قتالٍ أخرى على شكل حرب عصابات: تتذيّل الجيش، وتُخرج عناصرها من الأنفاق وتضربه وتصيبه يوميًا. نعم، قوة كتائب القسام ببساطتها”.
إلى ذلك، قال رئيس المجلس الإقليميّ (ماطيه آشير) في الشمال، موشيه دافيدوفيتش، لموقع (YNET) العبريّ إنّ “المفاجأة تمكن في أنّ حزب الله هو الذي يضع قواعد اللعبة في الشمال رغم قوّة إسرائيل، وهو الذي قام بطرد أكثر من سبعين ألف مستوطنٍ من البلدات والمدن الحدوديّة، وهذا الأمر لم يحدث منذ قيام إسرائيل”.
واختتم قائلاً: “بدل أنْ نقيم منطقةً أمنيّةً منزوعة السلاح في لبنان، عمليًا، أقمنا منطقة أمنيّة في شمال إسرائيل، وكيف يتماشى هذا الأمر مع تهديدنا بضرب برنامج إيران النوويّ”، على حدّ قوله.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية