ماذا بعد فشل مُفاوضات جدّة لوقف حرب الجِنرالات في السودان؟ وأين يَكمُنُ الخلل؟ وما هي الشّروط الثلاثة اللّازمة لتحقيق أهدافها؟
لم تُفاجئنا التصريحات التي أدلى بها مصدرٌ دبلوماسيٌّ سعودي لوكالة الأنباء الفرنسيّة وقال فيها إنّ مُفاوضات جدة التي شارك فيها مُمثّلان عن الجِنرالين المُتصارعين في السودان بإشرافٍ أمريكيّ سعوديّ لم تُحقّق أيّ تقدّمٍ على صعيدِ وقف إطلاق النّار، لأنّ كُل طرف يعتقد أنه قادرٌ على حسم المعركة لصالحه.
اتّفاقات وقف إطلاق النّار تنجح عادةً إذا توفّرت بعض الشّروط والوقائع الرئيسيّة:
أوّلًا: أن تصل الأطراف المُتحاربة إلى حالةٍ من الإرهاق وتتعاظم خسائرها في ميادين المُواجهات.
ثانيًا: أن تتوصّل الأطراف الخارجيّة الدّاعمة لهذا الصّراع إلى اتّفاقٍ فيما بينها لوقف إطلاق النّار وتُمارس ضُغوطًا على الجانب المُمثّل لها في الحرب.
ثالثًا: أن يتفوّق طرفًا على الآخَر في ميادين القتال، ويُظهر قُدرةً ميدانيّةً لحسم الحرب لصالحه، ويضطرّ الطّرف المهزوم لرفع الرّايات البيضاء تقليصًا للخسائر.
في حالة حرب الجِنرالات في السودان لم يتوفّر أيّ من الشّروط الثلاثة، وبات كُل طرف يعتقد أنه قادر على الحسم، وما زالت هذه الحرب في أسابيعها الأولى، وتُقدّم القِوى الخارجيّة دعمًا قويًّا لمن يُقاتلون نيابةً عنها.
الجيش الرسمي السوداني الذي يتزعّمه الفريق أوّل عبد الفتاح البرهان لم ينجح في حسم المعركة رُغم امتلاكه طائرات حربيّة وصواريخ وأكثر من 200 ألف جندي، بينما استطاع خصمه محمد حمدان حميدتي تحقيق تقدّمًا ملحوظًا، وما زالت قوّاته تُسيطر على أجزاءٍ مُهمّةٍ من العاصمة الخرطوم، ومُدُنٍ سودانيّةٍ أُخرى.
نُقطة ضعف مُفاوضات جدة الرئيسيّة أنها اقتصرت على مُمثّلين، وليس قادة هذه الحرب، أيّ البرهان وحميدتي، فهؤلاء المُتفاوضون بالإنابة لا يملكون الصلاحيّات الكافية لاتّخاذ قرارات سياسيّة عسكريّة.
حرب السودان اندلعت بين جِنرالين مُتعطّشين للسّلطة، ويعتقد كُل واحد منهما أنه الأحقّ في الحُكم، ولا يُمكن أن يُحقّق أهدافه إلا بتصفية خصمه، وهزيمة جيشه، واستِسلامه بالتّالي.
الحرب ما زالت في بدايتها، والقوّات المُتحاربة لم تتعب بعد، ولهذا من المُتوقّع أن تطول هذه الحرب لشُهورٍ، الأمر الذي سيُفاقم الأزمة وما يترتّب عليها من ضحايا بشريّة مُتصاعدة، نسبة كبيرة منها من المدنيين، علاوةً على مآسي إنسانيّة وانهيار اقتصادي كامِل، وتعاظُم النّزوح بالآلاف إلى دُول الجِوار طلبًا للأمان.
السودان ضحيّة مُؤامرة أمريكيّة إسرائيليّة ثأريّة تُريد تفكيكه، والانتقام من دعمه للمُقاومة الفِلسطينيّة، وهذا ما يُفسّر حالة العجز الدولي والإقليمي عن وقف هذه الحرب وفرض عُقوبات نافذة للمُتورّطين فيها.
السُّؤال المطروح الآن ماذا بعد هذا التعثّر في مُفاوضاتِ جدة، وهل علينا أن نتوقّع جولات جديدة بآليّاتٍ مُختلفةٍ وتمثيلٍ أعلى؟ وضُغوط خارجيّة وداخليّة (شعبيّة) تُسرّع آمال وقف إطلاق النّار، وحقْن الدّماء.
لسنا مُتفائلين، ولا نستبعد تَصاعُدًا أوسَع في جبهاتِ القتال، فلا يُوجد نفط أو غاز في السودان، أمّا مناجم الذّهب في الشّمال الغربيّ فجرى نهبها من قِبَل عصابات حميدتي، وبمُساعدةِ داعميها في الخليج ودُوَلٍ أوروبيّة.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية