ماذا تزدحم أجهزة الإعلام الإسرائيليّة بالتقارير والتحليلات حول اغتِيال السيّد نصر الله هذه الأيّام؟ هل بسبب التّرهيب أو من مُنطَلق القلق؟ وكيف فسّر لنا سياسي غربي كبير هذه الظّاهرة وأسبابها؟
لا يمر يوم تقريبًا دون أن تتصدّر صُورة السيّد حسن نصرالله أمين عام “حزب الله” أجهزة الإعلام الإسرائيلي، تارةً في تحليل إخباري، وتارةً ثانية في بحث استراتيجي لأحد مراكز الأبحاث حول احتِمالات الحرب القادمة ودور “حزب الله” فيها، وتارةً ثالثة في مُناقشة تلفزيونيّة حول الهدف القادم بعد اغتِيال محسن فخري زادة عالم الذرّة الإيراني.
هذا الهوس السّياسي والإعلامي والاستِخباري بالسيّد نصر الله يَعكِس حجم القلق والخوف من زعامته، والدّور المُؤثّر الذي يُمكن أن يلعبه في أيّ حربٍ قادمة في المنطقة التي تتصاعد فيها حدّة التوتّر بشكلٍ مُتسارع على جبهاتٍ عدّة.
عندما سألنا سياسي غربي كبير خبير في شُؤون المنطقة وأُحيل إلى التّقاعد عن أسباب هذا “الهوس” الإسرائيلي بالسيّد نصر الله و”حزب الله”، قال “أكثر ما يُقلق الإسرائيليين، في المؤسّستين السياسيّة والعسكريّة في “إسرائيل” هُم القادة القادرون على اتّخاذ القرار بخوض الحرب دون تردّد، والسيّد نصر الله على رأس قائمة هؤلاء”، وأضاف “السيّد نصر الله وحزبه اتّخذا قرار الحرب ضدّ إسرائيل مرّتين، الاولى عندما ملأ الفراغ الذي ترتّب على انسِحاب منظمة التحرير وقوّاتها عام 1982 من لبنان وجنوبه بتشكيله حركة مُقاومة أكثر انسجامًا وانضباطًا وعقائديّة أجبرت القوّات الإسرائيليّة على الانسِحاب من جنوب لبنان، والمرّة الثانية عندما استفزّ الجيش الإسرائيلي وأهانه بخطف جُنديين وإشعال فتيل حرب عام 2006، والصّمود حواليّ 32 يومًا”، ولا ننسى مُهاجمة مبنيين للقوّات الأمريكيّة والفرنسيّة عام 1983 في بيروت وقتل حواليّ 299 من الجُنود”.
مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التّابع لجامعة تل أبيب أصدر قبل بضعة أيّام دراسة من 73 صفحة تتضمّن سيناريوهات المُواجهة المُقبلة على الجبهة اللبنانيّة في إطار حرب شاملة في المنطقة، أبرزها إطلاق آلاف الصّواريخ دفعة واحدة على دولة الاحتِلال ومُدنها وبُناها التحتيّة، من بينها عشرات أو مِئات الصواريخ الدقيقة من سورية ولبنان وغرب العِراق وقِطاع غزّة، إلى جانب مِئات الطّائرات المُسيّرة الهُجوميّة المُزوّدة بالصّواريخ، أمّا السّيناريو الآخر فيتمثّل في حرب عصابات، واختِراق عناصر تابعة للحزب واحتِلال مُستوطنات ومُدن في الجليل الأعلى، وتحدّثت قِيادات إسرائيليّة عن تحقيق دولة الاحتِلال انتصارًا كبيرًا ومُربكًا في حال اغتِيال السيّد نصر الله بالطّريقة نفسها التي اغتيل فيها البروفيسور فخري زادة عالم الذرّة الإيراني.
أهميّة هذا المعهد تأتي من كون رئيسه الجِنرال المُتقاعد عاموس يدلين، ومن الباحثين فيه، ومُعظمهم من الضبّاط السّابقين من زملائه الذين عَمِلوا معه في شُعبة الاستِخبارات العسكريّة (أمان) التي كان يتزعّمها قبل تقاعده، ممّا يعني أن لديهم اطّلاع واسع على كيفيّة عمل الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة بشقّيها المدنيّ والعسكريّ.
المعلومات القادمة من لبنان، ومن أكثر من مصدر، تُؤكّد أنّ “حزب الله” يعيش هذه الأيّام حالة تأهّب قُصوى تَحسُّبًا لأيّ هُجوم إسرائيلي، سواءً لاغتِيال السيّد نصر الله، أو لمُواجهة أيّ عُدوان مُفاجِئ، محدود أو مُوسّع، فاللّافت أنّ استِقبالات السيّد نصر الله للمسؤولين اللّبنانيين، أو من محور المُقاومة، أو إلقائه خُطبًا تلفزيونيّة مُباشرة، باتت محدودةً جدًّا، أو حتى شِبه معدومة هذه الأيّام، وذلك في إطار الاحتِياطات الأمنيّة القُصوى.
مُحاولات عديدة جرَت لاغتِيال السيّد نصر الله في الأعوام الأخيرة فَشِلَت فشَلًا ذريعًا في الوصول إليه رغم وجود جهات لبنانيّة تُجاهر بعمالتها لإسرائيل وعداءها لحزب الله ومحور المُقاومة، وخلايا لاستِخبارات إسرائيليّة وأمريكيّة وأوروبيّة بسبب الاحتِياطات الأمنيّة الدّقيقة، الأمر الذي أدّى في الوقت نفسه إلى وضع الخطط للرّد الانتِقامي الفوري، مثلما كشف لنا أحد المُقرّبين من “الجناح العسكري للحزب”.
سيظل الإعلام الإسرائيلي مشغولًا في نقل الهوس والقلق الرسميين بسبب وجود السيّد نصر الله، ونشر التّحليلات حول احتِمالات اغتِياله، وسيظل السيّد نصر الله وأنصاره يقرأون هذه التّقارير، التي يُتابعونها من خِلال أجهزة الرّصد المُتخصّصة، ويضحكون، فإذا كان السيّد نصر الله يُصَعِّد هذا الهوس والقلق دُون أن يُطلِق صاروخًا واحِدًا، فكيف سيكون الحال لو أطلق عشرات الآلاف من الصّواريخ، مثلما قال أحد الإعلاميين المُقرّبين من حزب الله، وأضاف دعهم يقلقون فهذا مصدر سعادتنا فهُم يعرفون ما ينتظرهم.. واللُه أعلم.. وهذه العِبارة الأخيرة من عندنا..
صحيفة رأي اليوم الالكترونية