ماذا لو أثرت الأزمة الأوكرانية على الملف الإيراني؟ (جيمس جيفري)

 

جيمس جيفري

تسبب نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في إثارة الكثير من التعليقات خلال الأسبوع الثالث من آذار/مارس، عندما هدَّد "باتخاذ إجراءات انتقامية" محتملة بشأن الملف النووي الإيراني إذا ما ضغطت واشنطن على موسكو بشأن شبه جزيرة القرم. ورغم أن ذلك ربما لا يكون أكثر من تكتيك تخويفي، إلا أنه يستحق الدراسة باعتباره السيناريو الأكثر سوءاً. وعند أخذ جميع العوامل في الحسبان، تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها التكيف مع مثل هذا التطور في ضوء الترابط العسكري والدبلوماسي المواتي لقواتها في الخليج الفارسي، لكن القيام بذلك سوف يتطلب عزماً ونهجاً أكثر واقعية في مواجهة فلاديمير بوتين الذين لا يمكن التوقع بتصرفاته.

ثلاثة أسئلة

في حال تكرار التهديد الروسي أو تعزيزه، فسوف يثير ثلاثة أسئلة مترابطة. أولاً، هل يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها الرد على ذلك التهديد بتخفيض العقوبات المقررة بشأن أوكرانيا ومن ثم "إنقاذ" المحادثات النووية الإيرانية؟ ثانياً، هل ستفكر موسكو بجدية في تنفيذ التهديد؟ ثالثاً، ما مقدار الضرر الذي يمكن أن تحدثه روسيا فعلياً في المساعي الدولية لكبح جماح سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية، وبأي ثمن إلى موسكو؟
في النظام الفعال للسياسة الخارجية، تتوقف الإجابة على السؤال الأول على الإجابات على السؤالين الثاني والثالث. إذا كانت واشنطن مقتنعة بأن الروس لن يمضوا قدماً في ذلك التهديد، أو إذا كانت مقتنعة بأنهم لو فعلوا ذلك فلن ينجحوا في إخراج الجهود الدولية عن مسارها، فإن الإجابة على السؤال الأول تكون بـ "النفي". لكن إن كان المرء يرى أن موسكو سوف تنفذ تهديدها بالفعل وأن أمامها فرصة للنجاح، فسيتوجب على واشنطن أن توازن التكاليف والمزايا الاستراتيجية بشأن تبني موقف قوي حيال قضية أوكرانيا مقابل الملف النووي الإيراني.
إن وجهة نظر الغالبية حتى الآن هي أن روسيا سوف تخسر أكثر مما ستكسبه من خلال اللعب بالورقة الإيرانية، لكن هذا رهان غير مؤكد. لقد ألقت الأزمة الأوكرانية بظلالها على رغبة بوتين في عرقلة السياسة الخارجية الأمريكية، وعلى حبه للمخاطرة و "الهجمات المفاجئة" المثيرة. كما أن ولعه بالمخاطرة يُعد ثقل موازنة هام للمصالح الروسية في التعاون مع شركائها في مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» (بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة) بشأن القضية الإيرانية: ويشمل ذلك تحديداً تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، ودعم نظام منع الانتشار النووي الذي يفضل الدول النووية الحالية، والخوف من خروج "قنبلة الإسلاميين" عن نطاق السيطرة مما ستكون له تداعيات على المناطق الإسلامية ذات الأغلبية الروسية، والالتزام تجاه مجلس الأمن الدولي الضالع بقوة في المحادثات الإيرانية. إن التأكيد على هذه المصالح أمر منطقي، لكن هذا المنطق ذاته هو الذي دفع الغرب إلى الاستنتاج بأن بوتين لن يتمسك بقوة بدعم النظام السوري أو تغيير الحدود الأوروبية بالقوة.
وفي الواقع، يواصل بوتين فعل الأشياء التي تتحدى "منطق الأمور في الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين". وفي أي مبادرة غربية على ما يبدو، لا يرى بوتين أن التقدم "يصب في مصلحة" المجتمع الدولي ككل – بما في ذلك روسيا – لكنه يعكس تعاظم نفوذ الولايات المتحدة. ونظراً لأن تركيزه ينصب على احتواء هذا النفوذ كهدف وجودي، لا يمكن للمرء أن يستبعد تصرُّف روسيا ضد أفضل مصالحها المزعومة بشأن الأسلحة النووية الإيرانية – وهي قضية قد تمثل أهمية لبوتين، لكنها ليست وجودية. ويمكن أخذ الحسابات الاقتصادية الباردة في نظر الاعتبار أيضاً. فكلما زادت زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط – وخاصة في منطقة الخليج، التي تسيطر على 20 في المائة من صادرات النفط العالمية وتمتلك إمكانيات كبيرة لتصدير الغاز – زادت أسعار النفط والغاز من المناطق الأخرى، بما في ذلك روسيا.

هل الظروف ليست في صالح موسكو؟

لكن ما الذي يستطيع بوتين فعله بالضبط لتقويض الجهود الدولية ضد إيران لو أنه رغب في ذلك؟ إن هذا الوضع هو أكثر مواتاة لواشنطن وحلفائها، لكن فقط إذا فكروا فيه من منظور الواقعية السياسية وليس منظور "القرن الحادي والعشرين". وهذا يعني التركيز على القوات العسكرية، والقواعد، والعلاقات الدبلوماسية في منطقة الخليج – حيث تتبوأ الولايات المتحدة مكانة أفضل بكثير عن مكانتها في البحر الأسود.
كما أن هناك عوامل أخرى عديدة تجعل الميزان يميل في صالح واشنطن. أولاً، في حين أن نظام العقوبات الدولية يعتمد على قرارات مجلس الأمن الدولي، فإن الإجراءات الأكثر فاعلية هي العقوبات الأمريكية الأحادية المفروضة على صادرات النفط الإيرانية بمساعدة الدول المستوردة. ثانياً، تستند الإدانة الدولية لسلوك إيران على قرارات مجلس الأمن الدولي ومن ثم فهي بالفعل القانون المعمول به – ولا يستطيع بوتين عكس هذه القرارات. ثالثاً، الصين أكثر اعتماداً من روسيا على النظام التجاري العالمي، وقد توخت الحذر لئلا تدعم بقوة سيطرة بوتين على شبه جزيرة القرم، حيث إن ذلك يتعارض مع المصالح الصينية. وتعتمد بكين بصفة خاصة على نفط الخليج ومن المحتمل أن تخسر بقدر ما قد يكسب بوتين من عدم الاستقرار وما ينتج عنه من ارتفاع أسعار النفط والغاز. وأخيراً، إن رد فعل الغرب على التحرك الأسوأ من جانب موسكو يمكن أن يشمل تقويض مزايا روسيا في سوق الغاز والنفط ووصولها إلى الأنظمة المالية والتجارية الدولية.

خيارات بوتين: تقويض التوصل إلى اتفاق، التحالف مع إيران

إذا قمنا بتنحية ميزات الغرب جانباً، فهناك بعض الأوراق التي يمتلكها بوتين وباستطاعته اللعب بها. وستكون الاستراتيجية الأسهل هي نسف أي اتفاق نووي نهائي مع إيران من خلال إعلام طهران بالحدود الدنيا لـ مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» ومعارضة أي موقف قوي يجعل الاتفاق مقبولاً للكونغرس الأمريكي وحلفاء الولايات المتحدة. وهذا سيحرم واشنطن من تحقيق نصر دبلوماسي، ويحافظ على التوترات، ويؤكد الخوف واسع النطاق من أن "خطة العمل المشتركة" المؤقتة ستكون الحدود القصوى للمفاوضات، مما يمنع إيران من قدرات سريعة لاختراق العتبة النووية. ويقيناً، أن عقوبات النفط سوف تبقى عند مستواها الحالي حتى في ظل التفويض المحدود بموجب "خطة العمل المشتركة". بيد، إن متطلبات السوق وتآكل العقوبات والتلاعب الروسي يمكن أن تَضعف بقوة بمرور الوقت من جراء هذه القيود، التي تقوم على قبول الدول الأخرى بتدخل الولايات المتحدة في شؤون شركاتها الخاصة.
إن بوتين يلعب بغرض الفوز ومن ثم يستطيع أن يتابع استراتيجية اختلاق الأزمات هذه من خلال التوصل إلى اتفاق نووي ثنائي مع إيران. ومن شأن ذلك أن يلبي مخاوف روسيا بشأن الانتشار النووي، ويعزز موقفها الدبلوماسي، – من خلال توفير بديل لمساعي مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» – ويفجر نظام العقوبات الأحادي الجانب الذي تتبعه واشنطن.
وفي السيناريو الأسوأ، يستطيع بوتين أن يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، من خلال إعادة إحياء بيع نظم الدفاع الجوي المتقدمة لإيران (التي لا تحظرها عقوبات الأمم المتحدة) والبناء على اتفاق محطة بوشهر النووية من خلال منح طهران المزيد من التقنيات النووية ثنائية الاستخدام. والأمر الأكثر خطورة أنه يستطيع اتخاذ خطوات عسكرية مثل إقامة قاعدة بحرية في إيران، والإعلان عن معارضة روسيا لأي تحرك عسكري ضد إيران ونشر "فنيين" في المنشآت النووية الإيرانية عالية القيمة، أو حتى تمركز قوات روسية رمزية في مواقع استراتيجية.
هل هذا محض خيال؟ للأسف لا – لقد أظهرت موسكو سلوكاً مماثلاً ينطوي على مخاطر جمة في أماكن أخرى، بدءاً من إرسال قوات رمزية إلى كوسوفو عام 1999 إلى غزو جورجيا وأوكراينا. وفي مواجهة الإدانة الدولية الناجمة عن ذلك، يستطيع بوتين الاعتماد على اتفاقية نووية ثنائية مع إيران على النحو المذكور أعلاه، في تحدي صريح للعقوبات المصرفية الأمريكية باعتبارها تدخلاً غير مقبول في الشؤون الداخلية لإيران، وسوف يستغل النفور الدولي تجاه واشنطن حول عدة أمور بدءاً من إسرائيل وحتى حرب العراق.

المرحلة القادمة

في حال إقدام بوتين على مفاقمة الأمور بشأن إيران، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها هم في وضع جيد لمواجهته. وكلما كانت واشنطن أكثر إصراراً وإقناعاً في الحد من قدرات طهران [على امتلاك] أسلحة نووية ومواجهة التحديات الروسية في أوكرانيا وغيرها، كلما قلت احتمالية اضطرارها إلى التعامل مع مناورة روسية جديدة بشأن إيران أو غيرها من القضايا. لكن إن حاول الغرب تحييد أفعال بوتين الضارة من خلال تقديم تنازلات بشأن العقوبات المرتبطة بأوكرانيا، فسوف يتشجع على إساءة التصرف في الخليج.
ووفقاً لذلك، يتعين على الولايات المتحدة بناء إجماع دولي بديل لدعم تحركاتها في ظل غياب إجراءات جديدة من قبل مجلس الأمن الدولي، مستغلة حقيقة أن بوتين جعل نفسه أكثر ضعفاً من خلال انتهاكه للأعراف الدولية. ويشمل ذلك استخدام الطاقة وأدوات اقتصادية عالمية أخرى لردع روح المغامرة الروسية واحتوائها. ينبغي على واشنطن أيضاً أن تتودد للصين بشأن قضايا الشرق الأوسط، رغم أن تصرفات بكين المشابهة لما يحدث في شبه جزيرة القرم في المناطق الخارجية القريبة منها تبعث على القلق.
وأخيراً، يجب على واشنطن أن توضح أمرين. أولاً، أن حل المسألة النووية الإيرانية بطريقة تدعم أمن الولايات المتحدة وحلفائها يقع ضمن المصالح الأمريكية الجوهرية. ثانياً، أن الولايات المتحدة سوف تستخدم القوة العسكرية الهائلة لتحقيق تلك الغاية في حالة استحالة التوصل إلى بديل دبلوماسي قائم على التعاون بسبب التدخلات الروسية. ولهذه الأسباب وغيرها كثيرة، فإن المهمة الأولى لإدارة أوباما هي إعادة ترسيخ الإيمان بعزم الولايات المتحدة على استخدام قوتها العسكرية الساحقة – والخوف من استعدادها على استخدام هذه القوة.

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى