ماذا وراء حملات “الشّيطنة” التي تتعرّض لها حركة “حماس” هذه الأيّام؟
لا نعرف مدى دقّة بعض المعلومات التي تتردّد هذه الأيّام في العديد من المقالات والتّسريبات حول ربْط السّلطات السوريّة عودة العلاقات مع حركة “حماس” بشَرطين أساسيين: الأوّل تقديمها اعتذارًا عن مواقفها السّابقة التي اتّخذتها في بداية الأزمة السوريّة، والثاني منع بعض قياداتها من دُخول سورية دون تسمية أيّ منهم.
لا نعتقد في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” أن سورية يُمكن أن تتقدّم بمِثل هذه الشّروط، لأنّها أكبر من ذلك وأكثر تسامحًا، خاصَّةً أن هذا التوجّه للحركة جاء بتوجيهٍ من الوُسطاء، وخاصَّةً السيّد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله”، والقيادة الإيرانيّة في طِهران، اللّذين باركا هذا التوجّه وبيان الحركة في هذا الصّدد، انطلاقًا من حِرص الطّرفين على توحيد محور المُقاومة وتعزيز صُفوفه في هذا الظّرف الذي تقف فيه المِنطقة، والعالم بأسْره على حافّة حرب.
بيان حركة “حماس” الذي عكس رغبة قِيادتها في التّقارب مع سورية وصدر بالإجماع عن المكتب السّياسي ولم يُعارضه إلا صوت واحد، تضمّن مواقف وطنيّة مُتوقّعة من حركة مُقاومة فِلسطينيّة أذلّت صواريخها وعمليّات عناصرها العدوّ الإسرائيلي، ودفعت في معركة “سيف القدس” بأكثر من ستّة ملايين مُستوطن إلى الملاجئ، وعزلت إسرائيل عن العالم لأكثر من 11 يومًا بعد إغلاق مطاريها اليتيمين.
هذا البيان أكّد على العديد من ثوابتِ الحركة وأبرزها إدانة “العُدوانات” الإسرائيليّة على سورية وحِرصها على وحدة أراضيها والإشادة بمواقف قِيادتها وصُمودها، والتّقدير للدّور التاريخي لسورية في دعم الشّعب الفِلسطيني، واحتضان فصائل المُقاومة.
نقول هذا الكلام ونحن نُتابع حملةً هُجوميّةً شرسةً من قبل العديد من داعمين لها، وواقفين في خندقها، بل وبعض المُنتمين لها، بسبب هذا الموقف الجديد الإيجابي تُجاه سورية، الذي تأخّر أكثر من 11 عامًا في رأينا، وما كُنّا نأمل له أن يُوجد من الأساس، ولا نُريد أن ننكأ الجِراح مجددًا، ونخوض في الأسباب، ونتناول المواقف الخلافيّة، من مُنطلق حِرصِنا على الحركة واستِمرارها في أداء واجباتها الوطنيّة المُشرّفة في مُواجهة الاحتلال كحَركةٍ مُقاومة، ومُواصلة مسيرتها لتحرير الأراضي المُغتَصبة.
قيادة “حماس” لم تُخطئ مُطلقًا بالتوجّه نحو دِمشق لإعادة العلاقات مع دولةٍ عربيّة خاضت أربع حُروب إن لم يكن أكثر ضدّ الاحتِلال الإسرائيلي، وقدّمت آلاف الشّهداء، ورفضت كُل أشكال التّطبيع وتوقيع اتّفاقات الإذلال، وعلينا أن نتَذكّر، ونُذَكِّر، الذين ينتقدون الحركة هذه الأيّام وبقَسوةٍ، أن السّلطات السوريّة لم تتردّد لحظةً واحدة ورُغم جُرحها الغائر المُؤلم من جرّاء مواقف الحركة في الأزمة، في التّجاوب مع السيّد نصر الله، والحاج قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وإرسال شُحنات من صواريخ “الكورنيت” المُصَنَّعة سُوريًّا التي أذلّت دبّابة الميركافا وحرّمت على الجيش الإسرائيلي اجتياح قِطاع غزّة برًّا على مدى السّنوات العشر الماضية إن لم يكن أكثر.
إنّنا نسأل الذين ينتقدون حركة “حماس” وقيادتها بسبب توجّهها نحو المُصالحة مع سورية، حاضنتها الأولى، عندما تخلّى عنها الكثيرون، نسأل سَمّوا لنا دولةً واحدةً عربيّة أو إسلاميّة غير إيران وسورية قدّمت صواريخ وأسلحة وذخائر للحركة مكّنتها من تحقيق هذه الانتصارات واحتِلال هذه المكانة المُستحقّة عربيًّا وعالميًّا وفي قُلوب مِئات الملايين من العرب والمُسلمين ومُعارضي الاحتِلالات الشُّرفاء في العالم.
كُنّا مُنذ اليوم الأوّل للأزمة السوريّة من مُنتقدي حركة “حماس” وسِياستها ومواقفها في حينها، وما زِلنا، ولكنّ احتِرامنا لها، وتقديرنا لدورها المُقاوم، ووطنيّة قِيادتها لم يهتزّ مُطلَقًا وسنظلّ كذلك.
نحن في هذه الصّحيفة نُؤيّد المُصالحة والتّنسيق بين الدولة السوريّة وحركة “حماس”، ونرى في بيان الحركة خطوةً كبيرةً في هذا الاتّجاه يجب أن تُعطي ثِمارها، وتجد الرّد الإيجابي من القِيادة والشّعب السوري، ووضع الخِلافات جانبًا، والتّسامي على كُلّ الجُروح والآلام لأنّ تحرير الأرض المُحتلّة في فِلسطين والجولان وجنوب لبنان هي الأرضيّة الواحدة التي يقف عليها الجميع ولا يختلفون مُطلقًا عليها، ونستند في موقفنا هذا إلى قرارات العفو العام التي أصدرتها القِيادة السوريّة، وغفرت فيها للكثيرين من الذين رفعوا السّلاح في وجهها.
حُكومات عربيّة عديدة اختلفت مع غيرها، وتآمَرت على بعضها البعض، وتنابزت بالألقاب والاتّهامات، وخاضت في الأعراض، بَل ولجَأت إلى التّحارب بالصّواريخ، واقتحام الحُدود البينيّة، وأنفقت مِئات المِليارات على تدمير بعضها البعض، وها هي تتصالح وتُعيد فتْح السّفارات، والأخطر من ذلك أن بعضها ذهبت إلى تل أبيب، والقدس المُحتلّة، وطعنت العرب في الظّهر، ووقّعت اتّفاقات سلام كاذب مغشوش مع دولة الاحتِلال، فلماذا تكون المُصالحة وعودة العلاقات بين طرفين يحتلّان مكانةً بارزةً في محور المُقاومة للاحتِلال للأرض العربيّة والمُقدّسات الإسلاميّة خطأ وجريمة وتتعرّض لحملات “شيطنة”؟ وهل المُصالحة حلالٌ على الجميع وحرامٌ على سورية وحركة “حماس”؟