ماذا يجري في الشرق الاوسط (د. سليم نزال)

 

د. سليم نزال

لعل سؤال ماذا يجري في الشرق الاوسط هو من اهم الاسئلة المعقدة. فحتى عامين ماضيين كان هذا السؤال يعادل او يكاد الصراع العربي الاسرائيلي. اما الان فلعلنا بتنا بحاجة إلى استخدام تعبير ازمات الشرق الاوسط للاشارة إلى مجموعه الازمات التي تعصف بالمنطقة.
فمن وجهة نظري يمر الشرق الاوسط بتحولات تاريخية سيكون لها تأثيرات على مستقبل المنطقة وربما العالم في المائة عام القادمة. لقد تجاوزت الاحداث الربيع العربي الذي بات مكونا صغيرا من حراك واسع عرقي وديني عابر للدول، الامر الذي بات من شبه المستحيل معرفه اتجاهه وآثاره.
في تركيا على سبيل المثال وحتى وقت قصير جدا كان اردوغان يتصرف بطمأنينة في ظل نظام قوي ومنتخب على الاقل من نصف الناخبين. حتى انه بات متداولا في الكتابات السياسية انه يقدم نموذجا اسلاميا يصالح ما بين الدين والحداثة. وهو امر له دلالة خاصة في بلد كتركيا التي خاضت تجربة صعبة في تاريخها حيث كان اهم رد الفعل التركي على هزيمة الامبراطورية العثمانية عام 1918 هو القطيعة مع كل تراث الدولة العثمانية وفرض النموذج الغربي بالإكراه.
وما نراه الان في شوارع المدن التركية من حراك يدل ان النار كانت ايضا في تركيا لكن تحت الرماد، وان القوى العلمانية المتأثرة بنهج مصطفى كمال اتاتورك لم تسلم بالامر الواقع والدليل اندلاع الاضطرابات الواسعة ليس من اجل موضوع حديقة بقدر ما يخفي خلفها من صراعات صامتة. والدليل ايضا خروج اعداد ضخمة في مسيرات وصلت لكل المدن التركية. وهناك من يعتقد ان احد اسباب الحراك الفعلي هو سعي اردوغان إلى احداث قطيعة مع التراث الاتاتوركي العلماني.
لكن بغض النظر عن هذا الرأي، فأن الامر الذي اعتقده ان تركيا بعد هذين الاسبوعين مما يشبه الانتفاضة هي غير تركيا قبل ذلك.
اذا ما القينا نظره على المقالات والدراسات التي كتبت في العامين الاخيرين مقارنة بما يكتب الان، فان اول ما سنلاحظه هو انتهاء مرحلة التفاؤل وبداية القلق والحيرة وفي بعض الاحيان عدم الوضوح مما يجري في المنطقة حتى بات من الصعب توصيفه بدقة.
هذه الصعوبة في التوصيف ليست امرا غريبا في ظل التغيرات الكبرى في المجتمعات البشرية حيث تتداخل العناصر المختلفة.
و اذا ما اراد المرء وضع خارطة طريق لعناصر الصراع سنلحظ عدة عوامل متداخلة من الصعب الفصل بينها لان الاجتماع البشري ليس كالعلم التطبيقي حيث يمكن فصل العناصر المختلفة في مختبر.
صحيح ان عوامل الظلم وفساد الحياة السياسية كانتا المحرك الرئيس في هذه الحراك. لكننا بدأنا نرى بعد ذلك دخول عوامل أخرى مثل التراكمات والحساسيات التاريخية بين المجموعات الدينية خاصة ان الدولة الحديثة في الشرق الاوسط لم تنجح في علمنة شاملة تضعف الولاءات الصغيرة لصالح الولاء العام. وهكذا بقيت الولاءات الصغيرة نائمة حتى تم ايقاظها لدى بداية الصراع سواء بفعل سياسي او برد الفعل الغرائزي.
لقد وصفت ذلك في احدى كتاباتي بأنه نوع من عودة للمسالة الشرقية. واريد ان اذكر ان مؤتمر برلين 1878 عقد اساسا لحل "المسالة الشرقية" حيث وضع القوميات المتفجر في اوروبا الشرقية التي كان معظمها يخضع للحكم العثماني في حين حددت اتفاقية سايكس وبيكو 1916 التي كانت امتدادا لسياسة المسالة الشرقية، مستقبل الشرق الاوسط لأكثر من مائة عام.
اذا ما سعينا لوضع خارطة طريق لمشاكل الشرق الاوسط فننا سنرى عددا من الصراعات، أبرزها الصراع العربي الاسرائيلي الذي هو بحق ام المشاكل والذي لعب دورا في تسميم المنطقة طوال قرن من الزمن.
ثمة عدد آخر من الصراعات منها المتفجر ومنها الخامد مثل المسالة الكردية.
كما نرى دخول عامل الصراع بقوة بين القوى العلمانية والدينية الذي نلحظه بوضوح في عدد من بلدان الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا.
هذا بالطبع يضاف إلى التدخلات الدولية والاستقطابات التي نشهدها خاصة في الصراع في سوريا والتي غالبا ما تساهم في تعقيد الامور لا في حلها.
لقد بات من الصعوبة بمكان معرفة كيف سيتطور الحراك والي اي اتجاه يسير. فنحن نتحدث عن منطقة تحتوي على ثلثي مصادر الطاقة في العالم وتشهد صراعا مستمرا طوال قرن كامل بين العرب والصهاينة، ومنطقة نهوض للاعراق والجماعات والاقليات العرقية والدينية. ومنطقة استراتيجية مهمة للقارات الثلاث ومجاورة لاوروبا التي تملك مصالح هائلة. واذا كان من الصعب معرفة كيف تتطور الامور لكن من المؤكد ان الشرق الاوسط يشهد مخاضا عسيرا قد يقصر وقد يطول وسيكون له على الاغلب ارتدادات واسعة في ارجاء أخرى من العالم.


ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى