صباح الجمعة 16 حزيران/يونيو الحالي، وفي بيان صادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية “الجيش العربي”، أعلن الناطق الرسمي إسقاط طائرة من دون طيار آتية من سوريا محملة بقطع من الأسلحة في المنطقة العسكرية الشمالية الشرقية.
كان الجيش قد أعلن قبلها بثلاثة أيام إسقاط مسيرة تحمل مخدرات، وسبق أن أعلن في 25 شباط/فبراير من العام الجاري إسقاط مسيرة تحمل قنابل يدوية وبندقية.
يبدو الأمر روتينياً، فجميع المناطق الحدودية في العالم تشهد عمليات تهريب. وقد تصاعدت عمليات التهريب على الحدود الشمالية للأردن منذ بداية الحرب على سوريا بعدما غابت سيطرة الدولة السورية عن هذه الحدود.
وكانت السلطات الأردنية قد استخدمت هذه الحدود ممراً للمسلحين والأسلحة إلى المنظمات الإرهابية بالتعاون مع قوى دولية وإقليمية. الأشخاص نفسهم الذين تم تهريبهم عبر الحدود عادوا للعمل بالتهريب، مستفيدين من معرفتهم بالطرق، وبوسائل المرور عبر النقاط العسكرية.
لكن السلطات الأردنية لا تطرح موضوع المسيرات على الحدود الشمالية في سياق جهودها لمكافحة التهريب، فهي تحمّل هذا الموضوع مضامين سياسية واضحة لا تخفى على متابع التطورات التي حدثت على تلك الحدود منذ بداية الحرب على سوريا.
في مرحلة باكرة من الأزمة، تحولت الحدود الأردنية السورية إلى ممر للأسلحة والمسلحين، واستغلت السلطات الأردنية علاقات القرابة على طرفي الحدود لتجند أعداداً من المواطنين السوريين في ما سُمي حينها “الجيش الحر”، الذي كان يتحرك بشكل علني في المدن الشمالية الأردنية. وعبر هذه الحدود، شُنّت حملات عسكرية منظمة ضد الجيش العربي السوري تحت اسم “عاصفة الجنوب” بأرقامها المتعددة.
بعد هزيمة التنظيمات الإرهابية واستعادة الجيش السوري السيطرة على معبر نصيب، تأخر فتح الحدود بين البلدين بسبب شرط أردني – إسرائيلي مشترك بمنع التنظيمات الموالية لإيران من الوصول إلى الحدود الجنوبية، والمقصود طبعاً حزب الله.
بعد اتفاقيات المصالحة التي رعتها روسيا، فُتحت الحدود بحذر، لكن ملك الأردن عبد الله الثاني عاد ليعلن في مقابلة مع محطة “CNN” في تموز/يوليو 2021 أن بلاده تعرضت لهجوم بطائرات إيرانية الصنع، وأن القوات المسلحة الأردنية تعاملت مع الأمر.
ولم يخفِ الملك الأردني تخوفاته من احتمال قيام سوريا وحلفائها بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية: “إذا انحرف أحد الصواريخ الموجهة إلى إسرائيل عن مساره، فإنه سيصل الأردن. لذا، فإن لدينا هذه التخوفات”.
هذا السرد التاريخي قد يناقضه التحسن المتصاعد في العلاقات العربية – السورية، وقد يراه البعض نبشاً في ماضٍ لا بد من تجاوزه، لكن الأحداث لا تقف عند التاريخ، بل تتطور بشكل مقلق. في خبر مرّ سريعاً، أعلن الناطق باسم سلاح الجو الأميركي قيام بلاده بنشر أسطول من طائرات “أف 22” “الشبح”، تابع للسرب المقاتل 94، في قاعدة موفق السلطي الجوية الواقعة في شمال الأردن.
برر المسؤول العسكري الأميركي هذا الانتشار بضرورة التصدي لمضايقات الطائرات الحربية الروسية في سوريا. مرة أخرى، يبدو الأمر روتينياً في ظل الاتفاقية الأمنية العسكرية بين الأردن والولايات المتحدة، لو لم يحدد المسؤول الأميركي الهدف منه بدقة تدعو إلى القلق: “الهدف هو أن نظهر تصميمنا على الدفاع عن قوات التحالف باستخدام قوة جويّة كبيرة وفعالة”.
في السياق نفسه، كان رئيس أركان القوات الجوية الأميركية أليكسس غرينكويتش قد صرّح في 14 حزيران/يونيو الحالي أنَّ النشاطات الجوية الروسية ضد المجموعات المسلحة المدعومة الولايات المتحدة “يقودها تحالف خصومنا”، في إشارة إلى إيران، وأضاف أن “العلاقات القوية بين موسكو وطهران يمكن أن تقود إلى “تحالف… إذ يرغب الطرفان في رؤيتنا خارج سوريا، وهما متواطئان مع النظام السوري، ويحاولان طردنا من سوريا في أسرع وقت ممكن”.
تشير التقارير العسكرية الصادرة في واشنطن إلى أنَّ البنتاغون قام بنشر تعزيزات إضافية في قواعده شرق الفرات تحسباً لما سمّاه هجمات المقاومة المحلية. وقد ترافق ذلك مع ازدياد عدد الهجمات على المواقع الأميركية، وكذلك ازدياد عدد “الحوادث” التي تتعرض لها القوات الأميركية، وآخرها حادث سقوط طائرة هليكوبتر أدى إلى إصابة 22 جندياً أميركياً، إصابة بعضهم بليغة.
على الطرف الآخر من حلف الناتو، صرّح منسق العلاقات الخارجية جوزيب بوريل عن عدم تأييد الدول الأوروبية تطبيع العلاقات بين سوريا والدول العربية وتركيا، وتأكيده أن “الظروف في الاتحاد الأوروبي الآن غير مؤاتية لتغيير سياسته تجاه سوريا”.
هذه التّصريحات تلقي ضوءاً على أسباب التصعيد ضدّ سوريا وروسيا. إنها الحرب في أوكرانيا وما ينتج منها من تراجع خطر للدور العالمي لقطبي الرأسمالية؛ الولايات المتحدة وأوروبا. الهجوم المضاد الأوكراني يسير نحو فشل ذريع.
وتبدو روسيا غير متأثرة بالعقوبات الأوروبية، وخصوصاً بعد نشر بيانات اقتصادية تشير إلى أنَّ معدل التضخم في روسيا خلال عام 2022 لم يتجاوز 2.2%، وهو الأقل تاريخياً، وتتقدم العلاقات العربية مع سوريا وإيران بتسارع يتفوّق على جميع التوقعات. في ظلّ هذه الظروف، لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يمنح روسيا جائزة إضافية بتغيير سياسته تجاه سوريا، والمطلوب هو التأزيم والمزيد من التأزيم.
ما يحدث في العالم متشابك إلى درجة التعقيد. وعند الحديث عن وحدة الجبهات، فلا بد من أن تشمل رؤيتنا المساحة الممتدة من موسكو وحتى صنعاء. العدو يكون جاهزاً للاشتباك إذا شعر بالهزيمة المحققة، ومن غير المبرر لنا أن نؤخذ بالمفاجأة.
الميادين نت