ماذا يريد العرب من سوريا؟

سوريا من أكبر الأزمات العربية وأفظعها وأكثرها بشاعة، ولكن حتى الان لم يرتق الحوار العربى حول سوريا إلى مستوى الأزمة وحجم البشاعة والخسارة الاستراتيجية، ولا أدرى وأنا اقرأ صحفنا وتصريحات المسئولين العرب ماذا يريدون ان يفعلوا تجاه سوريا. من يعارضون نظام الأسد يريدون رأس بشار الأسد على الأقل، بمعنى التنحى ولكن لايريدون الحديث عن الثمن. والمناصرون للنظام لا يريدون تنحى الأسد ولكنهم غير راضين عن الوضع الحالى ولا يستطيعون دفع ثمن استمراره ولا يعرفون اى سوريا يريدون. حديث متخبط فى ظل ضباب الحرب وغبارها الكثيف الذى تنعدم معه الرؤية.

كنت فى حوار على قناة “العربية” “فى برنامج” “بانوراما” الذى تقدمه المذيعة اللامعة منتهى الرمحى قبل الأمس فى حوار به ضيفان آخران احدهما معارض سورى يتحدث من اسطنبول والآخر خبير عسكرى أردنى يتحدث من الأردن، وكنت انا متحدثا من واشنطن. كان رأى المعارض السورى باختصار مع إزاحة الاسد بأى ثمن، وموقفه الى هنا كمعارض للنظام السورى موقفا افهمه ويفهمه معى كل العقلاء. ومن هذا المنطلق كان طرح المعارض السورى مؤيدا للتوجه الجديد لرجب طيب أردوغان بإقامة منطقة عازلة على الحدود التركية السورية مصحوبة بتدخل تركى برى لإيجاد منطقة آمنة للنازحين يعيشون فيها بعيدا عن ظلم نظام الأسد. ولايدرى صاحبنا ماذا يعنى التدخل التركى فى سوريا، ولم يرد ان يتحدث عن تبعات هذا التوجه وخطورته على الأمن القومى العربى.

لكى نعى خطورة الطرح التركى لابد ان اذكر وباختصار ثلاث نقاط توضيحية لو أسهبت فى تفسيرها لاحتاج الامر الى كتاب وليس مقالا، ولكن هى باختصار: أولا لا يمكن نكران حالة الوهن العربية، التى تتكالب عليها قوى إقليمية غير عربية طامعة فى قضم اى جزء من الاراضى العربية وهى بالترتيب اسرائيل التى تحتل فلسطين والجولان السورى، إيران التى تحتل الجزر الإماراتية وتمرح فى العالم العربى من سوريا الى العراق والبحرين واليمن ولبنان، ثم تركيا التى تلعب دورا تخريبيا فى سعيها لتثبيت دور وهمى تصدره للغرب مفاده ان اسطنبول هى قيادة العالم الإسلامى السني.

ثانيا: إن هناك صراعا إقليميا أخذ بعدا طائفيا هو الصراع العربي – الفارسى الذى يسمى الصراع السني – الشيعي. الذى تحدث عنه ملك الأردن فى السابق بشفرة الهلال الشيعى البري، وقد كتبت انا هنا فى هذه الصحيفة الأسبوع الماضى عن الهلال الشيعى البحرى لو سيطر الحوثيون على اليمن لأصبح لإيران ليس فقط اليد العليا فى السيطرة على مضيق هرمز فى الخليج العربى بل على مضيق باب المندب فى البحر الأحمر مما يمنح إيران تفوقا إقليميا ملاحيا له تأثير مباشر على الأمن القومى العربى.

ثالثا، هناك دور أمريكى غربى فى المنطقة يرعى استمرار تدفق الطاقة الى العالم الصناعى وتأمين سلامة وصولها فى الخليج وفى قناة السويس، ثم رعاية ذلك أمن اسرائيل.

ماذا يعنى ما قاله المعارض السورى من اسطنبول عندما حثنا كعرب بقبول التدخل البرى التركى فى سوريا وإقامة منطقة عازلة يمنع فيها طيران النظام السورى من الطيران؟ وما علاقة ذلك بدعوة رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون لحل سياسى فى سوريا من خلال حكومة مركزية دون الاسد؟ وما علاقة كليهما بحديث الرئيس الأمريكى اوباما لشبكة سى بى أس الامريكية فى برنامجها الشهير “60” دقيقة عن ذلك الفصل الواضح بين حالتى العراق وسوريا فى الحرب الدائرة بين التحالف وتنظيم داعش المتطرف؟

اولى ترجمات رؤية المعارضة السورية بالقبول بتدخل تركيا البرى فى سوريا وإعطائها ضوءا اخضر فى إقامة منطقة حظر طيران ومنطقة عازلة هى ببساطة مقايضة رأس الاسد برأس العرب، بمعنى انه وفى ظل الصراع السنى الشيعى فى المنطقة تكون المعارضة السورية قد نصبت تركيا أودوغان قائدا للسنة وراعيا لهم او كفيلا لهم، لينافس اردوغان البغدادى على الخلافة. اى تصبح ايران هى المعبرة عن مصالح الشيعة وتطلعاتهم، وتصبح تركيا هى القائد السنى فى مواجهة إيران، ويصبح دورنا كعرب هو التصفيق فى هذه المصارعة بين اردوغان خليفة السنة وخامنئى قائد الشيعة. وينتهى دورنا لنصبح فقط مناطق نفوذ تتصارع عليها قوى غير عربية. فهل هذا ثمن مقبول فى سبيل رأس الاسد او الإطاحة به؟ اترك الإجابة عن هذا السؤال للمعارضة السورية.

فقط هنا أذكر ان السبب فى انفراط عقد المعارضة السورية وفشلها فى كل لقاءات اسطنبول كانت نتيجة لمؤشرات سابقة لما يريدون فعله اليوم، حيث فى 2012 و2013 انقسم التحالف ضد الاسد بين تركيا وقطر اللتين كانتا تريد تسليم سوريا لجماعة الإخوان من ناحية، والسعودية والامارات اللتين رفضتا هذا الطرح وانتهت القصة. القبول بطرح اردوغان هو عودة لتلك المنطقة بل أسوأ منها. خصوصا بعد ما قامت به تركيا أردوغان من دور حقير فى مصر ولا تزال. فهل هذا ما تريده المعارضة السورية؟

هناك حلول للازمة السورية ممكنة ولكنها تتطلب الإجابة عن أسئلة حقيقية بشكل استراتيجى وليس بالطريقة الحالية التى تمت فيها شخصنة السياسات الإقليمية الكبري، لتبعد كثيرا عن استراتيجية الأمن القومى العربى وتدخل فى خانة معارك الثأر بين القبائل البدائية.

أوباما رغم تحفظات الكثيرين هو على الطريق الصحيح فى فصل الملفين السورى عن العراقى. ولكن هذا الفصل مقبول فى مواجهة تنظيم داعش الآن، ولكن هل هو ضمن تصور أشمل للأمن الإقليمى بعد الحرب على داعش وستتركنا امريكا أرضا يباب كما تركت أفغانستان وباكستان كمرتع للطائرات دون طيار مع مراعاة الفارق بين قوة اى من دولنا وباكستان النووية.

آن الأوان ان يطرح العرب تصورهم عن صيغة التوازن الإقليمى الذى يقبلونه وان يحددوا مصالحهم مجتمعين فى مواجهة جوار غير عربى طامع. ان لم يفعلوا واستمروا فى حالة الثأر الحالية “شخصنة السياسة، فسيبقى العرب ليسوا بلاعب على ارضهم بل تصبح ارضهم ساحات للعب، وأول الاختبارات للنضج الاستراتيجى العربى هى سوريا.

صحيفة الأهرام المصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى