ماذا يعني إقرار أبو الغيط بربح الأسد للمعركة ونجاح حُكمه في دِمشق
كان المسؤولون السوريّون على طُول الأزمة السوريّة والمُؤامرة الكونيّة لإسقاط نظام بلادهم، وبالرغم من المُقاطعة العربيّة، والغربيّة التي بدأت مُنذ العام 2011، وسحب السّفراء من العاصمة دمشق، يقولون بأن الجميع سيعود لدمشق، بعد أن ينتصر الجيش العربي السوري على المُؤامرة، ويُحكم السيطرة على البلاد، وهذه تصريحات كان يعتبرها خُصوم الدولة السوريّة، تصريحات خارجة عن الواقع، ليتبيّن صحّة ما قالوه تماماً.
درس المسؤولون السوريون درسهم جيّدًا فيما يبدو، واستشرفوا المُستقبل، حيث الانفتاح العربي مُتوالٍ على بلادهم، واستقبال الرئيس السوري بشار الأسد لوزراء خارجيّة الإمارات، والسعوديّة، وذهابه زائرًا لسلطنة عُمان، والإمارات، وقريباً الرياض لعلّه لحُضور القمّة العربيّة 32 في 19 أيّار/ مايو، وصولاً لتصريحات أمين عام الجامعة العربيّة أحمد أبو الغيط، والتي يبدو أنها وضعت سيناريو الحلقة الأخيرة لكل الآمال التي راهنت على سُقوط سورية.
أقرّ أحمد أبو الغيط بأن الرئيس الأسد قد ربح المعركة في سورية حين حسمها عسكريّاً، وهو إقرارٌ لافت نظرًا لتوقيته، فهُناك دول مثل قطر والكويت والمغرب واليمن مثلاً لا تزال لا ترغب بالانفتاح على حكومة الرئيس السوري، ولكن الواقع العربي مُمثّلاً بالسعوديّة، والإمارات، والجزائر، وتونس، ومصر، وحتى لبنان، والأردن والعراق، يمنع مُواصلة مُحاولات عزل سورية عن مُحيطها العربي، وهذا يؤكّده اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وبمُشاركة مصر والأردن والعراق في جدة، الذي بحث عودة سورية، وإن كان شهد الاجتماع آراء مُتباينة بين بعض الدول العربيّة.
بعض الدول العربيّة دعمت وموّلت المُعارضة السوريّة كي تدخل دمشق، وإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولكنها فشلت عسكريّاً مُنذ قرابة 5 أو 7 سنوات، ولكن الغيط أقر بربح الأسد المعركة حين حسمها عسكريّاً الآن في هذا التوقيت، ما يعني أن الإقرار بانتصار الرئيس الأسد كما يرى مُتفاعلون مع تصريحات أبو الغيط، كان يحتاج قرارًا سياسيّاً عربيّاً، والأهم بأنه غير مُرتبط بالمُوافقة الأمريكيّة على عودة سورية للجامعة العربيّة، والانفتاح على رئيسها كما فعلت الإمارات والسعوديّة، وبدأتا عصياناً مُنذ لحظة رفض خفض الإنتاج النفطي، بالتعاون مع روسيا الحليف الأكبر لسورية.
ورغم كُل هذا تُواجه الجهود التي تقودها السعوديّة لإعادة سوريا إلى الجامعة العربيّة رفضاً من بعض حُلفائها، وفقاً لمسؤولين عرب صرّحوا لصحيفة “وول ستريت جورنال الأمريكيّة، حيث قالوا إنّ 5 أعضاء على الأقل من جامعة الدول العربيّة، بما في ذلك المغرب والكويت وقطر واليمن، يرفضون الآن إعادة قبول سوريا في الجامعة العربيّة.
وتوقّف مُلاحظون عند تصريحات أبو الغيط، التي أوحت بأن الشخص الذي يشغل منصب أمين الجامعة العربيّة يستطيع أن يكون له قرار مُستقل، ويفرض على الدول العربيّة قرارات تُعاكس سياساتها، حين قال بأنه لم يكن موجودًا في الجامعة حينئذ، وأنه لم يكن ليُوافق على ما حدث في قاعة الجامعة، فهل كان يستطيع فعلاً في حينها منع طرد وتجميد العضويّة السوريّة في الجامعة العربيّة، والوقوف أمام الدول العربيّة التي قرّرت طردها بعدم التعجّل والمزيد من المُفاوضات والحوار، ولماذا لم يأخذ قرار عودتها للجامعة حتى الآن، إذا كان مُقتنعاً بأن الحُكم السوري قد نجح في دمشق، وإذا كانت الجامعة العربيّة مكاناً جامعاً للعرب، بدون خلفيّات سياسيّة.
ولماذا جاءت تصريحاته تساؤلٌ آخر مطروح الإيجابيّة هذه من سورية بعد الانفتاح العربي الجُزئي على سورية، وليس قبله، وهو بمثابة الضّوء الأخضر العربي لأبو الغيط للإقرار بالانتصار السياسي والعسكري للرئيس الأسد.
جاءت تصريحات أبو الغيط هذه في لقاء مع قناة “الجديد” اللبنانيّة، وما يلفت فيها بالأكثر قوله بأن تفعيل مقعد سورية أصبح مسألةً حتميّة لكنّه لم يُحسم بعد، ما يطرح تساؤلات عن الجهة التي لم تحسمه ولا تزال تُصر على موقفها، وإن كانت عودة سورية “الحتميّة” كما قال أبو الغيط ستأتي رغم رفض بعض الدول الرافضة نهاية الأمر (المغرب، الكويت، قطر اليمن وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال)، حيث كانت أكّدت قطر على أن أسباب تعليق عضويّة سورية في الجامعة العربيّة لا تزال قائمة، لكنها كانت شدّدت أيضاً على لسان رئيس وزرائها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بخصوص سورية، بأن لكل دولة تقييمها وهذا قرار سيادي يخصّها.
وحول لقائه مع الأسد، قال أبو الغيط إنه سيلتقي به في حال إعادة تفعيل مقعد سوريا بالجامعة العربية، وقبل ذلك لا يُمكنه اللقاء به دستوريّاً وقانونيّاً.
وأشار أبو الغيط إلى أن رغبة الحكومة السوريّة للعودة إلى الجامعة العربيّة تصاعدت في الفترة الأخيرة، لكن الأمر لم يُحسَم بعد، ولكنّ هذه الرّغبة التي أشار إليها أبو الغيط، لا تتقاطع مع التصريحات الرسميّة والنخبويّة السوريّة التي أكّدت مرارًا بأن سورية غير مُهتمّة بالعودة للجامعة، وأن الجامعة بحاجة سورية، لا الأخيرة بحاجتها، وهي العُضو المُؤسّس في الجامعة العربيّة.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية