ماذا يعنِي الظّهور الجديد والمُفاجِئ لأبو محمد الجولاني زعيم “النّصرة”؟ وهل كان دِفاعه عن قصف قاعدة “حميميم” الروسيّة الجويّة مُقنِعًا؟ ولماذا تخلّى عنه مُعظم حُلفائه وعلى رأسهم الأتراك؟
خُروج أبو محمد الجولاني، زعيم “هيئة تحرير الشام” (النّصرة) سابقًا إلى العلن مُجدّدًا لشرح أسبابِ تراجُع قوّاته أمام تقدّم قوات الجيش العربيّ السوريّ في ريف شمال حماة، يكشِف المُتغيّرات اللّافتة في موازين القِوى لغير صالحه أوّلًا، وتخلّي مُعظم حُلفائه عنه، سِياسيًّا وإعلاميًّا بحيث بات يُواجه المعركة النهائيّة الحاسِمة والوشيكة، لاستعادة إدلب إلى سيادة الدولة السوريّة وحيدًا.
في المُقابلة التي أجراها معه أحد النّشطاء في الفصيل الذي يتزعّمه، دعا الجولاني إلى حمل السّلاح لمنع سُقوط مُحافظة إدلب التي تُسيطر على مُعظمها قوّاته، ولا نعتقِد في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” أنّه سيلقى الاستجابة الكافية خاصّةً من حُلفائه الأتراك، وأهالي المدينة الذين باتوا مُحاصرين من مُعظم الجِهات، ويُواجهون قصفًا مُكثّفًا من القوّات السوريّة والروسيّة الزّاحفة، في تراجُعٍ لافِتٍ للاهتمامين الإقليميّ والدوليّ بمأساتهم.
بعض مُنتقدي الجولاني يقولون إنّه ارتكب خطأً استراتيجيًّا كبيرًا عندما قصفت قوّاته قاعدة “حميميم” الجويّة الروسيّة بالصّواريخ والطائرات المُسيّرة، الأمر الذي أعطى الطّرفين الروسيّ والسوريّ الذّريعة لشن الهُجوم الكاسِح الحالي، ولكنّه دافع عن قراره هذا بالقول “إنّ من حق الثوّار أن يقصفوا هذه القاعدة التي تتسبّب بقتل الشعب السوري، وإذا أرادت القيادة الروسيّة أن توقف قصف حميميم فعليها بكُل بساطة أن تتوقّف عن دعم النّظام وقتل الشّعب السوري”.
الجولاني يقف وحيدًا مُحاصرًا في مُواجهة القصف السوريّ الروسيّ المُكثّف الذي يُمهّد لاقتحام المدينة وإعادة السّيطرة عليها، تمهيدًا لنقل المعركة إلى شرق الفُرات، وسط صمت تركيّ يُوحي بالتّواطؤ، وكأنّ السّلطات التركيّة، وبعد ضُغوط مُكثّفة من الرّوس لتنفيذ تعهّداتها بالقضاء على “حُكم” جبهة النصرة في المدينة، تقول للروسي والسوريين تفضّلوا وقوموا بهذه المَهمّة بنفسكم واعفوني منها.
ثلاثة ملايين سوري باتوا مُحاصرين في إدلب نصفهم جاء بالحافلات الخضراء من مناطقٍ أخرى، مثل شرق حلب ومنطقة الغوطة، والمُشكلة التي يُواجهونها الآن أنّه لا حافلات خضراء، ولا حُدود تركيّة مفتوحة يُمكن أن يلجأوا إليها للهُروب من القصف، ومن سيطرة القوّات السوريّة التي باتت وشيكةً.
السؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ ليس عن مصير هؤلاء المُؤلم فقط، وإنّما أيضًا عن مصير الجولاني والمحيسني وعشرات الآلاف من المُقاتلين الذين التحقوا بصُفوف “الثورة” ولبّوا النّداء بالقِتال لإسقاط النّظام في دمشق.
الأيّام والأسابيع المُقبلة قد تحمِل الإجابة عن هذا السّؤال والكثير من الأسئلة غيره، وما علينا غير الانتظار، هو لن يطول حتمًا.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية